[ميناء القطيف 18] أمريكي أصابته حمّى الأحساء فصبّ غضبه على القطيف خسر قناطير الذهب المقنطرة وفشل في تحويل السكان من الإسلام إلى المسيحية
[من أوراقي 17]
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
مبشر في ميناء القطيف، بنى مستشفى الإرسالية الأمريكية في البحرين، وخرج من الأحساء محمومًا فانتقم بذم القطيف.. فمن هو؟
اسمه: صموئيل مارينوس زويمر (أبريل 12, 1867-أبريل 2, 1952)، ويلقَّب بالرسول إلى الإسلام. مبشر أمريكي رحالة وباحث. ولد في ڤريسلاند، مشيگن. حصل على A.B. من كلية هوب، هولاند، مشيگن، وعلى الماجستير من المدرسة اللاهوتية نيوبرونزويك. درجاته الأخرى تشمل درجة الدكتوراه من كلية هوب في 1904، و درجة الحقوق من كلية مسكنگم في 1918، ودرجة الدكتوراه من كلية رتگرز في 1919.
وقد عُيّن في الكنيسة البروتستانتية في پلا، أيواClassis في عام 1890، وقد بدأ التبشير في البصرة والبحرين، وفي مواقع أخرى في الجزيرة العربية من عام 1891 حتى 1905، وكان عضوًا في البِعثة إلى جزيرة العرب (1890-1913).
خدم في مصر في الفترة 1913-1929، وسافر أيضاً على نطاق واسع إلى آسيا الصغرى، وانتُخِب زميلاً في الجمعية الجغرافية الملكية في لندن إنجلترا، وتخليداً لأعماله في التبشير أنشئ معهد باسمه، هدفه الأول والأساسي تنصير المسلمين.
وقد اعترف هو نفسه بفشله الذريع حيث قال في أخطر مؤتمراته عن فشل مغامرة التنصير خلال ربع قرن: “لقد صرفنا من الوقت شيئاً كثيرًا، وأنفقنا من الذهب قناطيرَ مقنطرةً، وألّفنا ما استطعنا أن نؤلّف، وخطبنا، ومع ذلك كلِّه فإننا لم ننقل من الإسلام إلاّ عاشقاً بنى دينَه الجديد على أساس الهوى، فالذي نحاوله من نقل المسلمين من دينهم هو باللعب أشبه منه بالجد… وعندي اعتقاد أننا يجب أن نعمل حتى يصبح المسلمون غير مسلمين.
إنّ عملية الهدم أسهل من البناء في كل شيء إلاّ في موضوعنا هذا، لأنّ الهدم للإسلام في نفس المسلم معناه هدم الدين على العموم([1]).
كان أحد مؤسسي مستشفى الإرسالية الأمريكية في البحرين والبصرة([2]).
مؤلفاته
ألف زويمر أكثر من عشرين كتابًا منها جزيرة العرب مهد الإسلام (Arabia the cradle of Islam )، وقد اخترت لهذه الحلقة من سلسلة “ميناء القطيف.. مسيرة شعر وتاريخ” مقتطفًا من الفصل الحادي عشر من الكتاب، وتحديدًا سرده مشاهداته في الأحساء، ومغادرته لها محمومًا، ودخوله القطيف كئيبًا حانقًا، فأفرغ كل يعتمل في دخيلته من غضب حاقة، فلم يوفر شيئًا إلاَّ وصوَّره بأشنع صورة، إلى حد الإيقاع بين أهلها وأشقائهم عرب الأحساء، وقد انتقم الله منه فلازمته الحمى حتى بعد أن غادر ميناء القطيف. فلنقرأ:
حكومة الأحساء
“قُسِّمت حكومة الأحساء إداريًّا على النحو التالي: سنجق (Sandjak)([3])، وهو ينقسم إلى ثلاثة (أقضية)، (cazas)([4]) هي: نجد، قطر، والقطيف، وبها حامية صغيرة تضبط هذه الأقضية كلها، منها 600 رجل في الهفوف، و 300 لقطر والقطيف. والحاكم، ويدعى مصطفى باشا، يقيم في العاصمة، والقائم مقام (kaimakams)، وهو حاكم أدنى رتبة للمركزين الآخرين.
وتوجد كذلك المحاكم التركية المعتادة، ولكل قبيلة عربية ممثل، أو وسيط لترتيب وتنسيق شؤون القبيلة مع الحاكم. والقبائل الرئيسة التي تعترف – في الوقت الحاضر – بالاحتلال التركي، وتخضع لحكمه هي: العجمان (.El Ajeman)، والُمرَّة (-El Morah)، وبنو هاجر (Bni Hajar)، وبنو خالد (Bni Khaled) وبني حسام (,Bni Hassam)([5])، ومطير (El Motter)، وحرب (El Harb) والجعافر (El Ja’afer)، وقد افتتحت الحكومة التركية ثلاث مدارس في المقاطعة؛ العدد الإجمالي للتلاميذ حسب التقرير الرسمي التركي 3،540 طالبًا، ويقدِّر التقرير نفسه عدد سكان المقاطعة بنحو 250.000 نسمة، وهذا يعطي فكرة جليَّة عن تخلُّف التعليم حتى في هذه المقاطعة التي كانت على الدوام رائعة في التعلم.
ويشتمل المسجد الكبير على أربعة وعشرين قوسًا ورواقًا، ناعمة التمليس، وأرضية مفروشة بالسجاد، ودائمًا مليئة بالشباب المستهترين، يتعلمون قواعد النحو الغامضة، وأحكام الدين الإسلامي المعتادة، غير أن أيام الشعر وكتابة التعليقات على القرآن قد ولَّت، وحتى التجار الوهابيون أصبحوا يتحدثون عن بومباي، ويسعدهم الحصول على كتاب تعليم ابتدائي إنجليزي، أو أطلس للعالم الجديد، الذي يطرق أبوابهم؛ طالبًا الإذن بالدخول.
بعد أربعة أيام أمضيتها في المدينة، سنحت لي فرصة للعودة مع قافلة مسافرة باتجاه الشمال. إلا أنه لم يُسمح لي بالذهاب إلا بعد أن وقعت على ورقة، وبسبب عدم سلامة الطريق تُخلي الحكومة من جميع المسؤوليات في حال فقداني الحياة أو أحد الأطراف أو الأمتعة. ونسخة من هذه الوثيقة في حوزتي، بَيْد أن العدو الوحيد الذي التقيته في الصحراء كان – الحمى.
في ظهر يوم الثلاثاء انطلقت مجموعتنا الصغيرة، لا لتمرُّ بمدينة المبرز (Mobarrez) الكبيرة كما كنت آمل، ولكنا اتجهنا شرقًا فوصلنا إلى الكِلابيَّة (Kilabeejeh)([6]) عند الساعة الثانية. وأثناء مسيرنا كنا نمرُّ بعيون الماء الفوَّارة، والجداول، وحقول الأرز، والمستنقعات، وكل شيء على عكس ما في كتب الجغرافيا المدرسية عن صفة الجزيرة العربية.
على كل حال في أربع ساعات صرنا – مرة أخرى – في وسط الصحراء، حيث أثبتت الشمس أنها شديدة الحرارة بالنسبة لي، فأصبت بحمَّى لم تتركني إلا بعد أن عدت إلى البحرين. استمر الطريق صحراويًّا كله إلى القطيف، وفي يوم الأربعاء سرنا طوال الليل تحت النجوم (والسبب تحذير كاذب عن لصوص)، وحتى الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي حططنا للاستراحة في مكان يسمى – ويا للسخرية المريرة -أم الحمام([7])، إذ لا توجد أماكن للاغتسال، ولا أشجار، ولا عشب، سوى حفرة ضحلة من المياه الآسنة، وبعض شجيرات النخيل.
هنا أمضينا يومًا حارًّا، وفي صباح يوم الجمعة وصلنا إلى حدود القطيف. النخيل، والآبار، والقنوات التاريخية ذات الأبراج الغريبة والفتحات الهوائية على مسافات متفاوتة([8]). عبر بساتين النخيل، ومن مكان إلى آخر إلى أن درنا حول القلعة المربعة الكبيرة، ووصلنا إلى البحر. ومرة أخرى وجدت الراحةَ، والمنعش من الطعام والشراب في مبنى الجمرك.
ليست حسنةً سمعة القطيف بين عرب الأحساء. وموقعها منخفض ومستنقعي([9])، وسكانها في الغالب ضعاف البِنية، وشاحبو البشرة ويعانون من الملاريا باستمرار. والبلدة نفسها مبنية بشكل سيئ، قذرة للغاية، ورطبة، وذات مناخ سيء. ومع ذلك فعدد السكان جيد، والتجارة منتعشة. والسكان غالبيتهم شيعة من أصل فارسي([10]). ومضطهدون – بعنف – من الوهابيين، والأتراك مثلهم([11])، برغم أنهم أفضل بقليل من الكفار.
الموقع الحالي للقطيف يتطابق مع مستوطنة الجرعاء الأثرية المعروفة لدى الجغرافيين اليونانيين، إلا أنه لم يجر أيُّ كشف عن أطلالها مطلقًا. ووجود قلعة برتغالية بها يدل على احتلالهم لهذا الساحل أيضًا أثناء سيادتهم في الخليج([12]). وقد استولى الأتراك على القطيف عام 1871، وبقيت محتلة من قبلهم منذ ذلك الحين.
لا توجد مستوطنة كبيرة واحدة في الساحل العربي شمال القطيف، على طول الطريق إلى الكويت (Kuweit). وهذا الساحل في الغالب قاحل، وتحت سيطرة قبيلة بني هاجر المحاربة، فهي (المنطقة) غير مثيرة للاهتمام، وغير منتجة على الإطلاق”[13].
في الختام أزجي وافر الشكر والامتنان للأخ الصديق السيد عبد المجيد سعيد الجامد. على تجشمه عناء المراجعة والتصحيح، وبالله التوفيق
——————–
([1])موقع المعرفة على الإنترنت، الرابط: https://chl.li/zxqKp
([2]) رحلات متعرجة في بلاد الإبل، صموئيل م زويمر، ترجمة وتعليق. د. أحمد إيبش، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 1433هـ 2012م، ص: 7..
([5])لا يوجد في قبائل وأسر الأحساء ما يقرب من هذا الرسم إلا الحسن.
([6])الحرف (J)، ينطق (I) أيضًا.
([7])ليست أم الحمام الواقعة في الجهة الجنوبية من واحة القطيف الآن، والمعروفة قديمًا بأم الخمام، وإنما هو موضع ذكره العُبَيِّد في موسوعته بعنوان: >أبا الحمام . . . موضع فيه سبخات، يقع في الجنوب الشرقي من بقيق< وذكر لي ابن عمي السيد علي ابن السيد باقر العوامي (رحمه الله)، أنه رأى وثيقة مبايعة مختومة بختم قاضي القطيف، لنخل عند محطة للقوافل تابعة للقطيف، تعرف بأبي الحمام، بالقرب من غونان، إلى الشرق من أبقيق. انظر: الموسوعة الجغرافية لشرق البلاد السعودية، عبد الرحمن عبد الكريم العبَيَّد، إصدار نادي المنطقة الشرقية الأدبي، الدمام، الطبعة الثانية، 1426هـ، جـ1/151.
([8])تسمَّى تناقيب، والمفرد تنقاب، ومن ينطقُون القاف جيمًا ينقطونها تناجيب، وهذه بقيت منتصبةً تصارع عاديات الزمن، مصاقبةً حافَّة واحة القطيف الغربية (صحراء البياض)، وقد سيَّج الدكتور علي المنغم المنطقة الواقعة غربي عمودة بسيحة العوامية، لحفظها، لكن يد العبث لم توفرها مع ما عبثت به من آثار المنطقة.
([9])صحيح إن أرض القطيف منخفضة، لكن سطحَها مائلٌ ينحدرُ باتِّجاه البحر، وتغطيها شبكةُ بَزْلٍ (قنوات أو مصارف تسمى محليًّا، سيبان، (جمع ساب) كثيرة، لا تسمح للمياه بالتجمع إلا في مزارع الرز والحنطة، حيث تتطلب غزارة في المياه، وهذه القنوات تنظف بكسح الترسبات منها مرتين في السنة تحت إشراف الدولة، كي تبقى فاعلة؛ فوصفها بالمستنقعي غير صحيح.
([10])وهذه سقطة أخرى لعلها بسبب الحُمَّى، فالمنطقة بقصباتها الثلاث: (القطيف والأحساء والبحرين) – مع إيمان أهلها بقوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وقول رسوله (ص): >لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى<، – فإنها تعتز بأصالة عروبة قبائلها، وأسرها من السادة الأشراف من بني هاشم بن عبد مناف، وبكر وتغلب، وتميم وعبد القيس، ومضر وشيبان، إلخ، وأنصع البراهين وأصدقها انتشار لغات العرب في بلداتها وقراها، فلغة تميم تجدها في قلب الجيم ياءً، وهي لغة أغلب قرى القطيف، والكشكشة: قلب الكاف شينًا في مخاطبة المرأة، وطُمطانية حِمْيَر، وهاء السكت عند أهل سيهات، إلى آخره، وهذا يكفى، فلست هنا في بحث لغوي.
([11])خير ما يكشف عن ماهية الحكم التركي هو ما تضمنه القانون الذي أصدروه سنة 959هـ أي بعد 12 سنة من احتلالهم القطيف، وهو (قانون نامه لواء الطيف)، وسمحوا فيه بأن يأخذ ورثة المتوفَّى نصيبهم من تركته، التي كانوا يحتجونها منهم هم بزعمهم أن الشيعة ليسوا مسلمين. انظر: قانون نامه لواء القطيف، فيصل الكندري، المجلة التاريخية العربية للدراسات العثمانية، منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات، زغوان، تونس، عدد 15، و16، أكتوبر – نوفمبر، 1997م، ص: 357.
([12])القلاع والحصون في الخليج وغيره من بلاد الشرق، عرفت القلاع والحصون قبل مجيء البرتغاليين للخليج بقرون، انظر: مقالنا: القلاع والحصون في شرق الجزيرة العربية، مجلة الواحة، عع 20، الربع الأول، لعام 2001م. الرابط: https://bit.ly/2WHXfrH
)