عدنان العوامي.. آخر المشغولين بفوز “ينابيع الظمأ”

غازي القصيبي

حين صدرت مجموعة “شاطيء اليباب” في أوائل التسعينيات؛ كتب عنها المرحوم الدكتور غازي القصيبي مقالةً في “المجلة العربية”، خلص فيها إلى استغرابه من قلة شهرة الشاعر عدنان العوامي وقتها.

لكن الدكتور القصيبي وضع تفسيراً مهمّاً؛ مفاده أن شعر عدنان السيد عدنان العوامي ظهر ـ حسب رأيه ـ في زمن “تناطح القصيدة العمودية بالقصيدة الحديثة”.

وقبل مقالة القصيبي بسنواتٍ؛ نشر عبدالله شباط مقالاً عن العوامي ركّز على نقطةٍ غريبة فيه، هي أنه شاعرٌ مهم جداً من الناحية الإبداعية لكنه “بلا ديوان”..!

 

عدنان السيد محمد العوامي ليس شاعراً طارئاً على ساحة الشعر. صحيحٌ إنه لم ينشر ديوانه الأول إلا بعد تقاعده من العمل الحكومي، إلا أنه موجودٌ في الصحافة الثقافية منذ منتصف الستينيات الميلادية. وهو ما يضعه ضمن الجيل الثالث من الشعراء السعوديين. جيل ما بعد طاهر زمخشري وحسن قرشي وعبدالله الجشي ومعاصريهم. الجيل الثالث هو جيل غازي القصيبي. وليس غريباً على الأخير ألّا يعرف شاعراً من جيله إلا من خلال “شاطيء اليباب” الذي وصله عبر صديق مشترك، شاعرٍ من الجيل نفسه، هو عبدالله الشيخ..!

عبدالله شباط

عدنان العوامي شاعر لا يخدم القصيدةَ إلا من خلال القصيدة نفسها. أما خارج القصيدة؛ فإن أقصى ما يفعله هو نشرها في مجلة، أو توزيعها بين أصدقاء. وما عدا ذلك؛ فإنه لا يهتمّ ـ بعد كتابتها ـ إلى أي قاريء وصلت، أو إلى مبضع أيّ قاريء نوعي خضعت. فضلاً عن ذلك؛ لا يتوسّل أحداً في أمسية، أو منصة، ولا ينتظر دعوةً. على أنه لا يحمل أنفةً من المشاركة والمساعدة حين يُطلَب إليه.

وعلى هذا؛ فإن ما حصل عليه الشاعر العوامي من تكريم منذ تفرغه للأدب والبحث، إنما كان مفاجئاً له قبل سواه. وقبيل يومين فقط؛ حادثته عن وجود معلوماتٍ تشير إلى وجود اسمه في قائمة المرشحين للتكريم ضمن فعّاليات معرض الكتاب؛ فكانت إجابته وكأنه غير مهتمّ بما ينتظره، بل نفى ـ بشكل قاطع ـ علمه بشيء من ذلك، أو اهتمامه بالموضوع. ثم انصرف بي إلى موضوعٍ آخر كنا نتحدث فيه.

كُرّم عدنان العوامي؛ لأنه جديرٌ بالتكريم أولاً. ولأنه من نوعية خاصة من المثقفين، نوعية تكاد تكون نادرة في ساحتنا المحلية. نوعية لا تفرّق بين نجاحها الذاتي ونجاح الآخرين. ولطالما وقف عدنان العوامي إلى جانب آخرين وساعد على دعمهم على طريقة الأب أو الأخ.

هذا في شخصيته. أما في أدبه؛ فشعر عدنان العوامي شاهدٌ حاضرٌ على ما في القصيدة العمودية من طاقة ما تزال قادرة على التعبير والجمال في آنٍ. قصيدة عدنان العوامي مجدولةٌ من لغة حية، بارعة، فارهة، مشحونةٍ بجهدٍ عاطفي لا يشوبه الإصرار على الانشطار بين جزئي بيت الشعر العمودي. ما زال العوامي شاعرَ معانٍ من الطراز النقي، وشاعرَ شكلٍ واعٍ لتقلُّبات العبارة الشعرية وتوظيفها الأساليب الرمزية، بل والسيريالية أحياناً. وهذه ميزةٌ تُحسب على قدرة القصيدة الأصيلة على الاستمرار في زمن تتناطح فيه تيارات الأدب والثقافة ومشاربهما.

 تتعزّز الميزة؛ حين نجد شخصية العوامي ـ الفنية ـ في “شاطيء اليباب” هي شخصيته في “ينابيع الظمأ”، وعلى نحو يُمكن القبض على عدنان العوامية متلبساً بالمستوى الجمالي نفسه.

وقد يكون فوز “ينابيع الظمأ”، مستنداً إلى المعايير التي وضعتها وزارة الثقافة والإعلام في تقييم الشعر ضمن الكتاب الفائزة لهذا العام. إلا أن هناك جملة من الاعتبارات التي تُسهّل فهمنا لفوز شعر عدنان العوامي. من أهمّ تلك الاعتبارات هو موقع القصيدة العربية المعاصرة من الثقافة العربية، وأزمة القصيدة في المشهد الإبداعي، وحالة التشرذم والتصادم التي انتهى واقع الثقافة العربية، وعلى نحو يصعب فيه تمييز المنجز الإبداعي تمييزاً خالصاً لوجه الإبداع والجمال دون تحيُّز فئوي أو شكلاني أو شللي.

 

أمس؛ أُعلن عن “ينابيع الظمأ” ضمن الكتب الفائزة في معرض لهذا العام. وشاعر الديوان، عدنان العوامي، لم يكن يعرف شيئاً عن الموضوع. وقبل ذلك؛ كُرّم في اثنينية عبدالمقصود خوجة دون سابق معرفة أو واسطة. وكُرّم في النادي الأدبي في المنطقة الشرقية، وكُرّم في منتدى الثلاثاء، وكُرّم في حفل أقامه مثقفون من القطيف.. حظي بسلسلة من أعمال التكريم.. لأنه جديرٌ بالتكريم شاعراً وباحثاً وإنساناً.. ولأنه لم يسعَ يوماً إلى منصة تكريم.. بل سعت إليه المنصّات..!

حبيب محمود

الكتب الفائزة

  • الدراسات القضائية الإدارية: كتاب القضاء الإداري الإسلامي: الدكتور ناصر محمد الغامدي.
  • السير الذاتية: التحدي.. سنواتي في القناة الثقافية: محمد إبراهيم الماضي.
  • الشعر:  ينابيع الظمأ: عدنان محمد العوامي.
  • الدراسات الاجتماعية: المجتمع السعودي بين الأمس: الدكتورة سلوى عبدالحميد الخطيب.
  • الدراسات النقدية (مناصفة): الحراك النقدي حول الرواية السعودية: الدكتور حسن حجاب الحازمي. و: إعادة كتابة المدينة العربية في الرواية الغربية: الدكتور معجب سعيد العدواني.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×