أيها الصائمون الجائرون

علي المادح

هاجس الأمن الغذائي موجود في وجدان الإنسان والحيوان وحتى بعض الحشرات، فلا عجب أن تشاهد نملة لا تهدأ طوال صيفها بعثا عن ما تخزنه لوقت الحجر المنزلي التي تفعله بطبيعتها وبفطرتها.

في المملكة العربية السعودية كل شي يدعو للاطمئنان فلا نقص في المنتجات الغذائية، ولا غلاء أسعار، ولا مكان لتجار الأزمات فالاستعدادات لمواجهة الأزمات أكبر مما يتخيله القارئ.

في مسألة الأمن الغذائي تقوم الحكومة بواجبها على أكمل وجه لحماية المواطنين وتوفير الغذاء لهم في أية ظروف تطرأ على العالم، لكن هل  المواطنون يعيشون حالة الوعي في استهلاك المواد الغذائية.

قبل اندلاع جائحة كورونا كانت مشاهد الهدر في الغذاء غير معقولة  وحسب آخر الإحصاءات الواردة من هيئات مختصة فإن حجم الهدر في الوطن العربي كبير جدا  والمؤسف أن المواطن السعودي يحتل المركز الأول عالميا في الهدر بمعدل ٤٢٧ كيلو جرام في السنة  ويليه المواطن الإماراتي في المركز الرابع بمعدل ١٩٦ كيلو جرام في السنة ويأتي المواطن الفلسطيني في المركز الرابع عشر  بمعدل ٩٣ كيلو جرام سنويا والمواطن المصري فبما يقارب ٧٣ كيلو جرام في السنة محتلا المركز السادس عشر، ومن المحزن أنه يصل لهذا المقدار الكبير من الهدر مع حلول شهر رمضان.

وتوجد مبادرات من المجتمع السعودي لمكافحة الهدر، فعلى مستوى المبادرات المجتمعية  قام الشاب السعودي مشعل الخريشي بتصميم أطباق ذكية تساهم في تقليل كمية الطعام الموجود بالإناء بحيث تبدو أكبر من واقعها وقد استجابت كثير من المطاعم لهذه المبادرة، أما جمعية إطعام السعودية فهي جمعية أهلية مرخصة تقوم بتخزين الطعام المهدور من المناسبات والمطاعم وتسليمه للمستفيدين مع المحافظة على لائقيته وسلامته من خلال بنوك الطعام التي تستقبل الطعام الفائض، ويعزو الباحث الاقتصادي محمد سرور الصبان وجود ظاهرة الهدر للعادات والتقاليد المنتشرة في الوطن العربي والمرتبطة بالكرم وحسن الضيافة ويدعو إلى تغيير السلوكيات المتعلقة بالطعام لما له من أثر مباشر في الاقتصاد

ليست القضية محصورة في المملكة العربية السعودية فالقضية عالمية حيث يقدر حجم الهدر العالمي 1.3 مليار طن من المواد الغذائية الصالحة للإستهلاك البشري وهو ما يعادل ثلث الإنتاج العالمي من الطعام والغذاء التي يهدرها العالم أجمع بشكل سنوي وهي كمية كبيرة جدا تكفي لإطعام 3 مليارات شخص وذلك حسب تقرير منظمة (الفاو) منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.

أما بلغة المال فإن ما يتم إهداره في العالم يقدر ب ٦٨٠ مليار دولار ويقدر الهدر الناتج من المجتمع السعودي  ١٣ مليار دولار وهو مبلغ كبير جدا ومؤثر في اقتصاد المملكة وقد حان الوقت لتحمل المسؤولية من قبل أفراد المجتمع للمحافظة على النعمة  وتغيير الممارسات والسلوكيات المتعلقة بالطعام ووقف هذا الهدر الكبير والنزف الاقتصادي الناتج عنه ونشر ثقافة الاعتدال في المأكل والضيافة.

القلق ليس في مستوى الخزن الاستراتيجي للغذاء في المملكة إن ما يقلق المسؤولين هو مستويات الإنفاق والاستهلاك الجائر للطعام في المنازل والمناسبات ورمضان فرصة كبيرة لمراجعة السلوك  في استهلاك الطعام.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×