فلوس المريض.. أهم من المريض…!
حبيب محمود
كلُّ التشدُّق الديموقراطيّ الذي حاول الغرب تعليقه على واجهاته السياسية لأكثر من قرنٍ؛ تساقطت لوحاته الواحدة تلو الأخرى أمام إعصار كورونا.
الغرب هندس لسكان الكوكب ما يُسمّى “الشرعة الدولية”، وأسس مجلس حقوق الإنسان ضمن توليفة الأمم المتحدة، ووظّف منظمة الصحة العالمية معها، وملأ الدنيا وشغل الناس بـ “معايرات” العالم الأول المتقدم سياسياً و “إنسانياً”، مقابل العالم الثالث المتخلف في كلّ شيء..
هذا الغرب الساحر البراق؛ ظهرت مخالب رأسماليته المتوحشة في جسد الثروة البشرية التي يزعم أنه ينطلق منها، ويعود إليها في سياساته وأفعاله وأقواله.
فيروس ضئيل “حتحت” كلّ قشور هذه الرأسمالية الصمّاء. “فلوس المريض أهم من المريض نفسه”.. هكذا بدا الأمر، في هذا الغرب المتوحش. الفيروس يتفاقم في الشعوب “المتحضّرة”، وعيون سدنة الحضارة فيها “متفنجلة” على الودائع وهوامش الفائدة وازدهار الاقتصاد، ثم يأتي الإنسان لاحقاً.
ما حدث في الغرب المتوحش ليس أقلّ من فضيحة أخلاقية مدويّة بكل المقاييس. حين ترجح كفّة المال والأعمال على كفّة الإنسان؛ فإن ذلك يُشير إلى اختلال صادم في ميزان القيم التي تدعي هذه الأنظمة حمله. ميزان يقلق، كل القلق، على خزينة الدولة أكثر من قلقه على إنسان الدولة نفسه.
إذا كان زلزال الحرب العالمية الأولى أنجب “عصبة الأمم”، في أعقاب المأساة البشرية التي صنعها أقوى سكّان الكوكب؛ فإن الزلزال اللاحق ـ الحرب العالمية الثانية ـ قد أنجب “الأمم المتحدة” ليصنع المنتصرون نظاماً دوليّاً جديداً يؤمّن سلاماً عالمياً يتحاشى الوقوع في فخّي الحربين السابقتين، ويؤمّن “شرعة دولية” تضمن الديموقراطية وحقوق الإنسان..!
هذا ما قاله المنتصرون، حين حاولوا تفريخ ديموقراطيات على النموذج الملائم لهم.
إذا كان السلام العالمي وحقوق الإنسان والديموقراطية أساساً لما أنتجته الأمم المتحدة؛ فإن زلزال كورونا جاء ليعصف بالواجهات الناعمة كلها، حين وجد إنسان العالم الأول نفسه على هامش الرأسمالية التي لا تشبع.
تجربة كورونا ما زالت في بدايتها، قياساً بعمر الحربين العالميتين، وهي تنبّه سكان الكوكب إلى قيمة مغفولٌ عنها ومُضيّعة في متاهات السياسة.. قيمة جدوى الشكل السياسي الذي يحكم في أي دولة. أيّاً كان شكل النظام، ملكياً، جمهورياً، رئاسياً، حزبياً، قومياً، دينياً.. أيّاً كانت ملته السياسية؛ فإن الأهمّ “شكل” من الحاكم نفسه؛ هو حقّ المحكوم في أن ينال حقه. ألّا يكنز الحاكم الثروة، بل أن يسخّرها من أجل الإنسان.
ألّا يكون مال المريض أهم من المريض.. بل أن يخرج المال ليساعد المريض.. وهذا ما يحدث في المملكة العربية السعودية.. ببساطة.
الإنسان أولاً وثانياً وثالثاً.. وعاشراً. وإذا كان ثمة أهمية للمال؛ فإنها ربما تأتي سادس عشر.. أو تاسع عشر.