إدارة العمالة في الأزمات.. نموذج من حرب الخليج
حبيب محمود
في أزمة احتلال الكويت، وتحريرها، نفذت المملكة تدابير واسعة النطاق في جميع المناطق، وبالذات في المناطق الواقعة تحت احتمال الاعتداء الصاروخي من الجيش العراقي.
جنّدت الإعلام للتوعية والتثقيف، وزّعت كمامات حماية ضدّ الأسلحة الكيماوية، أمّنت إمدادات التموين، ضمنت تشغيل الأجهزة الصحية، ورتّبت المسائل الأمنية على الوجه الأكمل.
باختصار؛ حضّرت الحكومة السكان ـ مواطنين ومقيمين ـ لمواجهة احتمالات الحرب قبل وقوعها بأشهر.
في مرحلة التحضير؛ كان الذعر سيّداً مؤثراً في الناس. لم يسبق لهم أن خاضوا تجربة عسكرية. الأمن الذي تمتعوا به حدّ الإيمان بأنه من سمات وطنهم؛ صار مهدداً ـ وقتها ـ بجيش لم يتردّد ـ سابقاً ـ في استخدام أسلحة محرّمة حتى ضد بعض شعبه.
أعداد غير قليلة من المقيمين غادرت المملكة، نأياً بأنفسهم عن حرب ليست حربهم.
مثل هذه الظاهرة؛ نبّهت المسؤولين إلى تأثير مغادرة المقيمين المؤثرين، بل إلى ما هو أسوأ من ذلك. فكّر المسؤولون في توقف العمالة عن أداء عملها فيما لو وصلت المواجهة العسكرية إلى قصف صاروخي في المدن. وما الذي يمكن أن يحدث لو توقف عمّال مقاولي النظافة ـ مثلاً ـ عن العمل..؟
وفي حال قصف المباني؛ من سيعمل على إزالة الأنقاض، وإنقاذ السكان، وانتشال القتلى..؟
أدرك المسؤولون أن العمالة يُمكن أن ترفض العمل خوفاً على سلامتها. وعلى هذا اتّجه التفكير نحو الخطة B، وهي أن يتولّى المواطنون هذه المهمة في حال الحاجة. إنه وطنهم، وطبيعيٌّ أن يتفاعلوا. وقد تركّزت الخطة على تدريب موظفي الأجهزة الحكومية على أداء مهامّ العمالة.
وبالفعل؛ لم يتردد السعوديون في تعبئة نماذج حكومية، واختار كلٌّ منهم الوظيفة المناسبة له ليتدرب عليها، والقيام بها في حال الحاجة.
وقتها؛ كنت موظفاً في البلديات. وأتذكر زملاء تدربوا على تشغيل آليات صعبة، مثل “الشياول” والرافعات، فضلاً عن مكانس الشوارع الآلية. أحد مسؤولي أمانة الدمام ـ وقتها ـ اختار وظيفة “عامل نظافة”. المهمّ أن البلديات رتّبت أمورها تحسّباً لأي احتمال يتطلب أن يحلّ السعوديون محلّ العمال المقيمين.
كانت تجربة عاطفية جداً، وصادقة للغاية.
ثم بدأت حرب تحرير الكويت، واستمرّت أكثر من 40 يوماً، دون الحاجة إلى تفعيل الخطة B، ولله الحمد، بفضل الله، ثم بفضل الاستعدادات العسكرية التي نجحت في تجنيب البلاد مخاطرها.
وهذا بالضبط ما نحتاج إليه في أزمة كورونا الجديد الآن. الحكومة لم تتأخر في الجانب الاحترازي والتوعوي، وحتى الآن؛ قدمت التجربة السعودية نموذجاً عالمياً في تدابير المواجهة، على مستوى الوقاية والعلاج، وحماية الأمن، ودعم الاقتصاد، واستمرار الخدمات، وتأمين إمدادات التموين، وصولاً إلى ضمان الحفاظ على الحياة الطبيعية إلى أقصى مدى.
إلا أن علينا أن ندرّب أنفسنا على القيام بواجبات أعلى. والعمالة واحدة من تحديات المرحلة. هذه الفئة في حاجة إلى رعاية أكثر من أي وقت مضى. إنهم جزءً منّا. نحن وهم سكّان متساوون بالتأكيد. وهذا ما أكده المسؤولون بوضوح. وتحذير وزير الصحة، قبل أيام، من مشكلة تكدسهم في سكنهم واحدٌ من إشارات الخطر المحتمل بقوة تجاههم.
وزارة التعليم قدمت استجابة ممتازة، بتسخير بعض مبانيها المدرسية الخالية حالياً لإيواء عمّال مقاولي البلديات. وهناك عمّال مقاولين آخرين. وهناك عمّال المؤسسات الصغيرة. وهؤلاء في حاجة إلى حلّ يؤمن حمايتهم وحمايتنا أيضاً.