بين أزمتين: انتشار كورونا.. وضعف الوعي…!
حميدة الزاهر*
أس النجاح الاجتماعي هو امتلاك الوعي، فالوعي ليس شعورا عابرا، بل وسيلة للنهوض وطريقة للتقدم، وإذا أردنا أن نهزم صعوبات الحياة، فلا بد أن يعيش الوعي في ذاتنا وحقيقتنا.
وهذا ما يظهر جليا في ظرفنا الحالي، فالواقع أن كورونا لا يمثل لنا المشكلة الوحيدة، إن مجتمعنا يمر اليوم بأزمتين : أزمة الوعي، وأزمة كورونا، وإن كانت الثانية ستمضحل وتفنى قريبا بإذن الله، فالظاهر أن الأولى ستلازمنا ردحا من الزمن.
وما دام العالم يبحث بكله عن حل لإحدى أزمتيه العظيمتين، ( الكورونا)، فالجدير بالمفكرين من الناس، أن يبحثوا في حل الأخرى أيضا، فهي أكثر رواجا وانتشارا.
صحيح إن المشكلات العابرة في زمن العالم كـ (الطاعون) قديما و(الكورونا) حديثا، يمكن أن تشل حركة التنمية وقتا طويلا، لكن أزمة الوعي لا تكتفي بذلك، فهي لا تخلق تعطيلا في حركة التقدم فحسب،. بل تحمل على عاتقها تصنيع الأزمات والمشاكل لكل جيل، فهي حبلى وولادة بكل ما يتصادم مع الهناء والتمكن.
بناء على ذلك يمكن القول بأن أزمة الوعي هي أعقد ما يواجه الإنسان الحديث، إنها ليست أزمة يسهل حلها كما قد يظن البعض، فهي ليست صغيرة الحجم ولا حبيسة (المجهر) كما هو الحال مع الكورونا ، بل ظاهرة فوق المجهر على المستوى العام والجمعي، وهذا ما يدعو بشدة لضرورة الإسراع في حلها وتفكيكها.
إن الوعي يعني سيادة العقل والأخلاق على الحياة الإنسانية، وإذا أردنا أن نفعل وجوده في المجتمع، فلنعمد إلى قوائمه ومرتكزاته فندعّمها تدعيما رصينًا .
ويمكن أن نلحظ المشكلة جليا، ففي (كورونا) مثلا، يفترض العقل ضرورة دفع كل ضرر محتمل، ويعني ذلك أن نبقى في مأمن ولا نخالط الناس، لذلك تدفعنا الأخلاق إلى حماية المصلحة العامة، وأن لا نكون سببا لنشر العدوى.
ورغم أننا ندرك هذا بالعقل، إلا أنه لم ينعكس على سلوكنا وتطبيقنا – في المجمل-، وظل الناس لا يولون اهتماما لما تفترضه عقولهم ولا يدكونه في الواقع، واحتاجوا في ذلك إلى قرار صادر من الجهة المسؤولة، يحمل الرؤية ويقتضي الإلزام والعقوبة.
إنّ السلوك لا يمثل العقل دوما، ولذا يحل الإلزام محل العقل ليعيدنا إلى السير الصحيح، إن عدم ظهور آثار العقل والأخلاق علينا ، واحتياجنا إلى عنصر آخر ليدخل ويقوم سلوكنا، هو ما نصطلح عليه (قلة الوعي) أو (مرض الضمير).
كتبت هذا المقال لأقول.. إن المشكلات العظيمة ليست فقط تلك التي تواجه العالم بين الفينة والأخرى، بل ثمة عناصر مشتركة تمثل المنبع المولد لكل المشكلات والناشئ لكل البلايا، والتي مثالها الواضح قلة الوعي كما ذكرنا… إذا أردنا لهذا الزمن أن يكون زمن الازدهار والنهوض بالإنسان، فلنبحث في حلّ هذه العناصر أولًا.
* معلمة تربية خاصة، وناشطة اجتماعية، صفوى.