دروس الضعف والقوة التي علّمنا كورونا إياها…!
عالية آل فريد
في ظل هذه الظروف العصيبة الذي يهاجم فيها فايروس ” كورونا ” دول العالم ويكتسح فيها مجتمعاتنا، وما يثيره من رعب وخوف وإرتباك، وما لجأت إليه الدول من إجراءات إحترازية ووقائية صارمة.. كل ذلك جعلنا نقر بأن هذا الفايروس شكل صدمة وعي تاريخية وصحية هامة في حياتنا كأفراد وجماعات.
فكلما إزداد فايروس كورونا انتشاراً ذكرنا بضعفنا وحجم وجودنا على هذا الكوكب، وكأن الأرض تثور والطبيعة تنتقم لتقول قفوا مكانكم أيها البشر كفى عبثا..!
وبدأت الكارثة وكانت بعيدة عندما ضربت مدينة ووهان الصينية ثم تحولت إلى مأساة عندما حصدت الكثير من الأرواح، ورغم الإمكانات الكبيرة التي يتمتع بها العملاق الصيني إلا أن معظم الناس في العالم لم يدركوا خطورة هذا الوباء إلا حين باغتهم وباغتنا.
المستفيد الأول من جائحة كورونا هي الأرض، وحسب تقرير نشرته شبكة ” سي إن إن ” الأمريكية يعرب بأن حالة الإغلاق العام الذي شهدته العديد من المدن والدول حول العالم إثر تفشي كورونا جعلنا نرى سماء صافية، فإن إغلاق المصانع وخلو الشوارع في بعض البلدان بسبب كورونا جعل من كوكب الأرض ” المستفيد الأول ” وهذا ما أكدته ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية انخفاضا حادا في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين التي تطلقها السيارات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية في مدن صينية بعد إنتشار كورونا.
لقد نبهنا هذا الوباء إلى المخاطر التي تحوم حول صحتنا وإلى المحيط الملوث الذي نعيش فيه ويهدد وجودنا البشري على الأرض، بالرغم من كل التقدم الذي حققته البشرية ليوصل رسالته إلينا بأن الصحة هي المقوم الرئيسي للحياة وأن البيئة الطبيعية السليمة هي التي تحكم وجودنا في هذا العالم، فلنكن أثر رفقا بأنفسنا وأكثر رأفة بالفضاء الذي نعيش فيه والكون الذي نسكنه. فسبحان الخالق مجرد فايروس صغير لايرى بالعين المجردة يحدث كل هذه التداعيات الدولية والعالمية وما هي إلا لحظة حتى إنقلبت فيها الموازين رأسا على عقب وتغيرت فيهاالكثير من المعادلات والألولويات وتبدلت الخطط والمشاريع لتعيش الدول حالة الطوارئ.
إن ما حدث يلهمنا الكثير من الدروس والعبر وكل يوم يمر علينا لنا فيه حكاية ستبقى راسخة في أذهاننا أجلها:
الاعتزاز بالوطن والمواطنة
وينعكس ذلك فيما بذلته الدولة وما طرحته من استراتيجيات وخطط لاحتواء الأزمة، و كيف تصدت لمجابهة هذا الفايروس و تعاملت معه، وما قامت به من خطوات استباقية للحد من انتشار هذا الوباء، فسخرت كافة إمكانياتها وقدراتها وأجهزتها ووظفت طاقاتها لخدمة مواطنيها وللمقيمين فيها، وجعلت أبرز أولوياتها صحة المواطن واحترام كرامته وجعلتها مقدمة على أي عائدات إقتصادية.
وحرصت على توفير الأمن الغذائي وأمن الواردات وتأمين أقوات الناس الحياتية والمعيشية، وحثت كافة أجهزتها السياسية والاقتصادية والصحية والتعليمية والأمنية والاجتماعية والثقافية لتسخير جهودها واستخدام آلياتها لتسيير هذه الأزمة والتخفيف من تأثيراتها السلبية على المواطن.
مقابل ذلك فقد لاحظ الجميع الانعكاس الإيجابي في الحياة الاجتماعية للمواطنين واندفاعهم الشديد لخدمة الوطن وفي التآزر والتلاحم والتضامن الاجتماعي والانضمام للعمل التطوعي ومساعدة المحتاجين في ظل هذه الظروف الصعبة، وولادة الكثير من المبادرات الثقافية والتوعوية مستغلين كافة وسائل التواصل الاجتماعي لإرشاد الناس وتوجيههم على الالتزام بالتعليمات الوقائية والاحترازية، وفزعة الخيرين من أهل البلاد ورجالاتها المخلصين أصحاب النخوة والمروءة والشهامة والشجاعة الذين لا يألون جهداً في الدعم والمساندة وتقديم العون في حال اشتدت الأزمة لا سمح الله.
الجميع في حالة تأهب واستعداد لمجابهتها، خاصة أننا ندرك ثقتنا في وعي أبنائنا وشبابنا وفي إمكانياتهم، فهم الرصيد الحقيقي للوطن وهم حماته وعدته والزود عنه وقت الأزمات.
فلنحمد الله ونشكره فبشكر الله تدوم النعم للقدرة والكفاءة العالية التي استطاعت بها قيادة هذه البلاد – حفظها الله – من إدارة هذه الأزمة، وبحرصها على احتضان رعيتها وعلى تقديرها وثقتها بمواطنيها ثم لنعتبر بما يدور في بعض بلدان العالم الذي داهمها الوباء وكبلها الكثير من الخسائر والضحايا، لكنها رغم تقدمها وتفوقها العلمي والتكنولوجي باتت عاجزة عن حماية مواطنيها وقاصرة عن تأدية متطلباتهم الأساسية واحتياجاتهم الصحية والمعيشية مما زاد في مأساتها نسأل الله الكريم أن يرفع عنا وعنهم هذا البلاء..
تعزيز مكانة المرأة
لاحظ الجميع من خلال الإعلام المرئي و المسموع ومن خلال ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي وجود المرأة في خط الدفاع الأول متصدرة كجندي وطني ملازم كونها طبيبة وممرضة ومعالجة لمواجهة هذا الوباء ومكافحته، تلازم المرضى والمصابين وتواجه الخطر وتضاعف الوقت وتتحمل الضغط وتبذل الجهد بمزيد من التضحية والمثابرة والصبر والاجتهاد في العمل، مما يدلل ذلك على أهمية وجود المرأة في ساحة الحياة كعنصر فعال وعقل بشري وطاقة منتجة لا يمكن الاستغناء عنها وعن دورها في نمو المجتمع وفي بناءه وتنميته لا تختلف عن الرجل.
النساء اليوم في ظل هذه الأزمة يتصدرن المشهد في ميدان العمل ليس فقط في المستشفيات، بل في ساحة الإعلام وفي المبادرات الاجتماعية والتطوعية وفي الثقيف والتوعية ضد هذا الفايروس والوقاية من انتشاره، ليثبتن لأنفسهن أولا وللمجتمع بأنهن متمكنات وقادرات على النهوض بالمجتمع وإنقاذه من الجهل ومن المرض ومن التخلف.
الأمر الذي يستدعي إعادة النظر لدى الكثير نحو تصحيح نظرتهم تجاه المرأة وإعادة الاعتبار لها واحترام دورها ومكانتها وتقديرها بعيداً عن أي تمييز أو إقصاء أو تهميش أو دونية، وإتاحة المجال لها وتحفيزه للتفوق العلمي والإبداع العملي والإنطلاق نحو المستقبل.
أخيراً: وعي الشعب السعودي اليوم هو بوابة النجاة لما ينتظرنا في المستقبل، فالحجر المنزلي ومنع التجوال خلال هذه الفترة وإن خالف رغبة الكثير منا فهو حرصا على صحتنا وعلى سلامة من حولنا ولأن تداعيات هذه الأزمة تتطلب هذا النوع من الاجراءات فبالعزم والهمة والتعامل المسؤول والتعاون؛ نحن قادرين بإذن الله على تجاوز الأزمة بأقل الخسائر فالوطن للجميع. وحمى الله الوطن.