الكتابة.. شعلة وعزلة

ياسر آل غريب
ليس غريبا أن يقترن الكتّاب بالعزلة التي لطالما شكلت لهم مأوى هواجسهم وأفكارهم، وطقسا مصحوبا باللذة حيث التوحد مع الذات التي تنزوي بعيدا بحس وجودي عميق.
من أهم النماذج المضيئة في الأدب العربي عزلة أبي العلاء المعري الملقب برهين المحبسين؛ لعماه في بداية حياته وفقره. هو لم يبتعد عن الناس فحسب بل صاغ فلسفة لهذه الوحدة:
في الوحدة الراحة العظمى، فآخِ بها
قلبا، وفي الكون بين الناس أثقالُ
إن المعري الذي لزم بيته طويلا حتى وفاته، وألزم نفسه بما لايلزم في أشعاره أنتج أدبا مختلفا عن السائد، شغل النقاد والباحثين في كمه وكيفه بنظرته الجريئة الناقدة لجزئيات الحياة العديدة، والجدل بين العقل والدين.
محمود درويش هو الآخر تأمل في العزلة تأملا فاحصا عبر سلسة من الأوصاف فقد اعتبرها تربية ذاتية واختيار الحر و انتقاء نوع الأَلم , والتدرّب على تصريف أفعال القلب بحريّة العصاميّ ، أَو ما يشبه خلوَّك من خارجك وهبوطك الاضطراري.
ولو بحثنا أكثر لوجدنا هذه الثيمة حاضرة بقوة عند الشعراء والمفكرين والروائيين وكل من لهم علاقة بالكتابة بمقاربات ثقافية وسياسية واجتماعية ونفسية.
في لحظتنا المعاصرة ونحن نعيش أزمة ( كورونا) التي تتجدد أحداثها المتتالية وتفاصيلها المتشعبة، فرض الحجر الصحي وحظر التجول للمصلحة العامة في البلاد للحد من انتشار هذا الوباء مما تولد أسلوب جديد في حياتنا لم نعهده من قبل.
في مثل هذه الظروف الطارئة تشتد عزلة الأديب أكثر ، فهو أمام متسع من الوقت يستطيع استثماره بشكل جيدا إذا أتقن فن الهروب من وسائل التواصل الاجتماعي التي تشتت الأذهان بطوفانها الإلكتروني الهادر بالإشاعات والأخبار الكاذبة والمعلومات المغلوطة. وكأنما يحتاج الكتّاب في هذه الأيام إلى عزلة داخل العزلة.
إن الهدوء الذي يخيم علينا ابتداء من الساعة السابعة مساء إما أن يكون هباء يتطاير مع الدقائق والثواني أو باعثا للإبداع الذي يرتقي بذائقة النفوس.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×