[ميناء القطيف 9] شكوى هندية ضدّ تجار القطيف لدى بريطانيا “العظمى”
[من أوراقي 9]
ميناء القطيف
مسيرة شعر وتاريخ
عدنان السيد محمد العوامي
أهم ثروتين كانت القطيف تعتمد عليهما، بعد اللؤلؤ، هما التمر: والسلوق، ندرك ذلك بجلاء من نشاط الشركات والتجار، وتزاحمهم وتنافسهم. في هذا الميناء، وكثرة الصدامات والدعاوى والشكايات، والمنازعات فيه وحده دون سواه من موانئ المنطقة،و فيما يلي بعض نماذج منها:
حركة تصدير السلوق
تحدثنا الوثائق عن: حركة تجارية كبيرة لتصدير (السلوق) من القطيف إلى كراتشي، بالإضافة إلى استيراد كميات كبيرة من الأرز والبضائع الأخرى من الهند عن طريق البحرين. كما أن القطيف سوق للؤلؤ الذي يستخرجه أسطول اللؤلؤ الكويتي (انظر: خارجي/ A / أغسطس 1901، رقم 419).
عرض التجار البانيان دفع كامل النفقات المترتبة على تعيين معتمد محلّي من أهل القطيف، إذا اتخذت الحكومة البريطانية قرارًا بالموافقة على تعيينه لرعاية مصالحهم هناك. وفي النهاية اقترح المستر جاسكن أن يقوم هو بزيارة قائم مقام القطيف لترتيب الأمور.
وفيما يلي، نص تقرير المعتمد السياسي البريطاني المساعد في البحرين حول عرض البانيان، وقد ورد في رسالة منه مؤرخة في 10 أغسطس 1900، أُرسلها إلى أ. س. كمبل، المساعد الأول للمقيم السياسي في بوشهر:
زارني صباح هذا اليوم وفد من التجار الهنود البانيان لمناقشة موضوع تجارتهم في القطيف. يقولون إن تجارًا من جاليتهم يتعاطون التجارة مع القطيف منذ أقدم العصور، وقد وضعت عراقيل في السنوات الأخيرة بلغت من الحدّة درجة جعلتهم يتخلّون عن زيارة ذلك الميناء في السنوات الثلاث الأخيرة. أما القليل من التجارة التي ما يزالون يمارسونها، فإنّما تتمّ الآن بواسطة أهالي ذلك البلد الأصليين (أي القطيفيين) مما يسبب خسائر كبيرة لهم (للهنود). يبدو أن بعض تجار أهل القطيف ممّن يشغلون مناصب في مجلس الحكم المحلي، يستغلون هذه المناصب لمصالحهم الشخصية ويمارسون نفوذهم لدى سلطات الجمارك لتأخير نقل بضائع التجار الهنود البانيان، استعدادًا لتصديرها، إلى أن تغادر بضائعهم هم، وبهذا يتمتع القطيفيون بمزية وصول بضائعهم إلى أسواق التصدير قبل غيرها، فيؤمنون بذلك أسعارًا أعلى. وإن فَـشِلَ هؤلاء القطيفيون في التأثير على الجمارك، لجأوا إلى الحمّالين، وإن فشلوا في ذلك أيضًا لجأوا إلى رئيس الميناء الذي يمنع الشحن بحجّة تافهة أو بأخرى، كأن تُجبر القوارب الهندية على الخضوع لحجر صحي إضافي، مع أن هذه القوارب ربما تكون غادرت الهند منذ أشهر عديدة.
ويقول التجار الهنود أيضًا إنهم تعرضوا لإهانات كثيرة وإزعاجات ومضايقات. ففي العام الماضي (1899) حين حاول واحد منهم أن يرسو في القطيف، أُجبر على العودة إلى البحرين دون الدخول إلى البلدة . وإن مثل هذه العراقيل والمصاعب تفرض عليهم لا لشيء سوى إبعادهم عن القطيف وإجبارهم على ممارسة نشاطهم التجاري من خلال واحد أو آخر من تجار القطيف.
هناك حركة تصدير كبيرة للسلوق من القطيف إلى كراتشي تصل إلى حوالي 150 ألف كيس سنويًا، إضافة إلى كمية كبيرة من مستوردات الأرز والبضائع الأخرى من الهند عبر البحرين. كما أن القطيف هي سوق اللآليء التي يستخرجها أسطول صيد اللؤلؤ الكويتي.
كان القسم الأكبر من تجارة القطيف يتم في الماضي على أيدي التجار الهنود، أما في السنوات الأخيرة فقد سحبت هذه التجارة من أيديهم نهائيًّا. وفي الماضي كان يوجد ما بين 70 و 80 تاجرًا هنديًّا في القطيف، أما الآن فلا يوجد سوى تاجر واحد وهو تحت حماية محمد بن عبد الوهاب [الفيحاني].
التجار البانيان تواقون لاستعادة مركزهم السابق في القطيف، وهم يطالبون بتعيين وكيل من أهل البلاد تختاره الحكومة (البريطانية) للعناية بمصالحهم. ويضيف هؤلاء أنهم على استعداد لضمان مبلغ 1200 روبية تدفع سنويًا وسلفًا على مدى خمس سنوات لدفع راتب المعتمد / القنصل / المحلي، بمعدل 100 روبية شهريًا إذا لم تكن الحكومة البريطانية مستعدة لتحمّل مثل هذه النفقات.
وقد طلبوا ـ أي التجار ـ مني أن أعرض عليكم الاقتراح للتفضل بالنظر فيه.
أنا أعتقد أن الفائدة ستكون كبيرة من تعيين معتمد، إذ سيزيد ذلك من نفوذنا وهيبتنا في تلك الأصقاع، وسيكون وجوده مفيدًا من عدّة جوانب، إضافة إلى فائدته بالنسبة لتجارتنا عمومًا. بالطبع أنا لا أعرف ما إذا كانت هناك أية أسباب أخرى تحول دون تعيين معتمد محلي في القطيف، ولا أعرف ما إذا كان الأتراك سيرفضون السماح بتعيينه أم لا، إلاّ أنني أضيف صوتي بقوة تأييدًا لهذه الخطوة إذا كان بالإمكان اتخاذها.
استطاع التجار البانيان مؤخرًا من شراء كمية كبيرة من السلوق بواسطة تاجر قطيفي، وهم يتوقعون مواجهة مشاكل وتأخيرات كبيرة تثار في طريقهم حين يحين وقت الشحن، وقد طلبوا منّي أن أحتاط لمثل هذه الاحتمالات.
سمعتُ أن قائم مقام القطيف إنسان طيب، لكني أخشى ألاّ تترك كتابتي إليه أثرًا كبيرًا إلاّ إذ صدرت أوامر صريحة وواضحة إليه من قبل والي البصرة، وعن طريق متصرف الأحساء، كما أعتقد أنه سيكون من المستحسن إجراء مقابلة شخصية معه لتوضيح كل الأمور بشكل لا يدع مجالًا لسوء الفهم. التجار الهنود البانيان على استعداد لأن يضعوا قاربًا تحت تصرفي للقيام بهذه الرحلة، وسأتحمل أنا نفقات رحلتي شخصيًّا، بحيث لا تكلّف الرحلة الحكومة البريطانية أيّ شيء، وسيكون من المفيد أن أشاهد المكان عن قرب. وأنا هنا أسأل عمّا إذا كان بالإمكان السماح لي بالقيام بهذه الرحلة. وإذا حظي هذا الاقتراح بموافقتكم، فأعتقد أنه سيكون من الأفضل أن أحصل على جواز سفر زائر من القنصل التركي في بوشهر (Passport Vise’d) وذلك لتسهيل التعرّف على هويّتي، إذا ما حصل ووقع استجوابي، ويمكن صياغة الجواز صياغة عامّة تظهر وجهتي ومقصدي، وإلاّ قد يقول القنصل التركي إنّه لا يستطيع أن يصدر (تأشيرة) سفر إلى القطيف، وإذا ما طلب رسمًا مقابل إصدار هذا الجواز، فسأكون سعيدًا ومستعدًا لدفع المبلغ. أعتقد في حال سفري إلى هناك، أنه سيكون من المستحسن أن أحمل معي هدية لقائم مقام القطيف، ولنقل إنها ساعة وسلسلة من الذهب، وإلاّ فمسدس فوتسر، إلاّ أن الهديّة الأولى ستلقى بلا شك استحسانًا أكبر من قبل القائم مقام، فهو موظف مدني.
سيسعدني أن أبلَّغ بوجهة نظركم ورغباتكم بخصوص المقترحات الواردة أعلاه.
(نموذج من المضايقات التي تعرّض لها أحد التجار البانيان، من قبل السلطات المحلية في القطيف عام 1899، بغرض إخراج تجارة القطيف من يدهم.. تعرضه الرسالة التالية من كنكارام تيكم داس، ومقدّمة إلى جاسكن، المعتمد السياسي المساعد في البحرين .
(إلى جناب عمدة الأنجاب الأجلّ الأكرم الأحشم عالي الجاه الأفخم ذي الشوكة والإجلال ملاذي مستر كاسكن، نايب باليوز صاحب، وجنرال الدولة البهية القيصرية في خليج فارس أدام الله مجده.
غب لتحريره. إنشاء الله تكونوا بأكمل الدرجات. احترامًا نعرض لخدمة عالي سعادتكم في 25 من شهر (الشهر) الماضي أرسلنا رجالنا إلى بلد القطيف (من) أجل التجارة، ومن جملة تجارتنا يتعوض (يشتري) سلوق إلى هندستان، وبوقت وصوله إلى بلد (البلد) المذكور أولا، تواجه مع رايس اليمان [رئيس الليمان] البحرية[i]، (لعل المقصود محجر صحي بحري)، واستقرّ عنده بقدر ساعة من الزمان. فلما أراد المسير إلى السوق، وقد عارضه في أثناء الطريق شلال أفندي وقال له: ارجع إلى سفينتك، وقال له فيما سبب [فما السبب]؟ وقال أمرًا من الحكومة، وصار بينهم محاورات، وآخر كلام شلال المذكور إلى رجالنا: مادام عزك باقي، ارجع إلى السفينة إلى أن يأتيك خبر. ورجع بقدر أربع ساعات، وثم نزل البر، وأراد يتعوض من السلوق عند أهالي البلد المذكور، فليس أحدًا قاربه، ولا علمنا فيما السبب، ولا حصل لرجالنا الإفادة، ورجع البحرين بدون التعوّض، فلزم علينا نعرف والي أمرنا مقدمات أحكام القطيف، ولا نعلم من يكون المسبب في ذلك بامتناعنا المعاملات في بلد المذكور.
لطفًا ومرحمتا من عدالة دولتكم تعملوا أقدام وترتيب لدخولنا في البلد المذكور، ويعاملونا كمعاملات الذي يعاملون رعاياهم، ويحملوا أموال التجارية إلى هندستان وغيره، فأنتم أهل الإنصاف والعدالة ولم تقبلوا أن يحصل لنا الامتناع لدخولنا في البلد المذكور أيضًا، حاشا وكلاّ أن يرضى دولتكم المشهورة بهذا المقدمة.
انشاء الله [إن شاء الله] جنابكم العالي ليس يقصر نكون من جنابكم في نهاية التشكّر والممنونيّة، عسى الله لا يخلونا من وجودكم ودولتكم، ويجعل ضلّكم علينا ضليل، باقي عمركم طويل، وعدوكم ذليل والسلام .
في 13 جمادى الأول سنة 1318هـ.
صحيح كنكارام تيكم داس)<[ii].
——
([i])الليمان: اللومان، سجن يخصص محترفي الإجرام، معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، وآخرون، عالم الكتب، القاهرة، 2008م، جـ1/2050، و2056.
([ii])مجلة الواحة، بيروت، العدد الأول، محرم 1416هـ، 1995م، ص: 103 – 106.
يُتبع الأسبوع المقبل