علي بن سعيد.. بدأ مع خاله في ” البناء العربي” وتقاعد بعد ثورة الخرسانة شارك آل حماد والشيخ أحمد والتاجر وعبادي والمشيخص في تعمير العوامية

العوامية: معصومة الزاهر،صُبرة

بتشييعه إلى مثواه الأخير عصر أمس؛ تكون صفحة مهمّة في العوامية قد انطوت، برحيل واحدٍ من أهمّ من شاركوا في تعميرها لقرابة 3 عقود. “علي بن سعيد“.. شيّعه الأهالي في مسقط رأسه، مودّعين رجلاً أحب الناس وأحبه الناس..

فمن هو علي بن سعيد الربح..؟

على نحو من الأنحاء؛ كان الحاج علي بن سعيد الربح واحداً من آحاد قادوا عمليات تعمير العوامية في مرحلتي الستينيات والسبعينيات. وإلى جانب الراحلين حسين الشيخ أحمد، علي التاجر، منصور أحمد حمّاد، حسن عبادي، رحمهم الله، ومعهم علي المشيخص، محمد هزيم؛ شارك الرّبح في بناء منازل العوامية في مرحلة ما بعد التوسّع الأول للبلدة.

تزامنوا جميعهم في جيل واحدٍ، وارثين مهنة “البناء العربي” عن سابقين لهم، وتقاسموا “كعكة” البناء، في “الفريق الغربي”، و “الشِّمْلي”، و “الخضيرة” و “المنيرة” و “الجميمة” القديمة، و “القوع” و “حي الريف”.. وكلّها أحياء احتاجت إلى أيدي عاملة طيلة عقدي الستينيات والسبعينيات.

 

خاله معلمه

كان “علي بن سعيد” واحداً من “أستاديّة البَنيْ”. اكتسب المهنة من خاله “الأستاد” عبدالله محمد عيسى المشيخص الذي درّبه منذ سنّ مبكر على العمل الشاق في “البناء العربي”. وحسب تعبير ابن أخته ـ المهندس نبيه إبراهيم ـ فقد تدرّج “علي بن سعيد” من عامل إلى أن وصل إلى مستوى “أستاد”، قائد لفريق عمل كامل. يُدير مشروعه بنفسه، ويعمّر البيوت على الطريقة التقليدية، وحصل لنفسه على حصة من مشاريع بناء المنازل في العوامية، في مرحلة من مراحل توسّع البلدة، وتطوّر عمله إبان إنشاء صندوق التنمية العقارية، وحصول المواطنين على قروض بناء السكن.

انقراض المهنة

وهكذا اكتسب الربح لنفسه اسماً وصفة، وعرفه سكان العوامية بـ “علي بِنْ سعيد”، إلى أن جاء عقد الثمانينيات وفرض طريقة بناء حديثة، ودخلت مهنة “البناء العربي” مرحلة الانقراض. وكما تخلّى نظراؤه: علي التاجر ومحمد هزيم وعلي مشيخص وحسن عبادي عن المهنة واتجهوا إلى مهن أخرى؛ قرّر “علي بن سعيد” التوجه إلى التجارة، فافتتح مؤسسة تجارية في “فريق الشملي”، شرقيّ الشارع العام، واتخذ من محله مصدر رزق ومجلساً يروده كبار السن.

واستمرّ على هذه الحال؛ إلى ما قبل إزالة المسورة ومحيطها، حيث تقاعد عن العمل، وآثر الاستراحة بتأثير أمراض الشيخوخة.

ومساء البارحة، انتقل إلى رحمة الله، عن عمر 81 عاماً، رحمه الله.

شهادات

بدأ مع خاله عاملاً.. وبنى مئات البيوت “أستاذاً”

المهندس نبيه عبدالمحسن البراهيم*

وُلد الخال علي بن سعيد بن عبدالعال آل ربح عام 1360هج في مسورة العوامية من أبوين كريمين؛ هما الحاج المبرور سعيد بن عبدالعال بن محمد بن عبدالعال آل ربح، رحمه الله، المتوفي عام 1315هج والحاجة المبرورة خادمة الحسين مريم بنت محمد بن عيسى المشيخص.

نشأ نشأة صالحة تحت رعاية حانية من هذين الوالدين الكريمين وكذلك تحت توجيهات خاله الحاج نصر محمد المشيخص    تاجر مواد البناء المعروف في العوامية الذي تزوج من إبنته الكبرى مليكة  (أم حسن) وأنجب منها جميع أبنائه وبناته.

رغم مروره بظروف صحية مريرة في بداية حياته منها إبتلاؤه بمرض غريب تعالج عنه في مصر إلا أنه  أفقده إحدى أذنيه مما تسبب له في صمم جزئي إلا أن ذلك لم يمنعه من دخول معترك الحياة مبكرا حيث عمل مع خاله الأكبر  الحاج عبدالله بن محمد عيسى المشيخص رحمه الله  المتوفي عام 1400هج وعمره آنذاك لم يتجاوز العاشرة، وكان خاله آنذاك من أشهر معلمي البناء في المنطقة وأمهرهم.

 وقد استفاد منه الخال علي كثيراً في تعلم أصول المهنة حتى تدرج من عامل عادي إلى ملقم  ثم إلى بناء ثم إلى معاون معلم ومنها إلى معلم الذي كان يسمى عندنا بإسم الأستاذ والأستاذ في عالم البناء العربي هو بمثابة مدير المشروع المتربع على رأس الهرم الإداري للمنظومة ويعمل تحته عدة معاونين كل معاون معه فريق من البنائين والملقمين والغيالين والعمال الذي كل له دور مسند اليه عليه أن يتقنه بإخلاص وإتقان وإلا لا مكان له في هذا الكار.

كانت ظروف العمل قاسية جدا بشكل يومي لمدة تزيد عن 12 ساعة، من ساعة قبل شروق الشمس حتى ساعة قبل الغروب بدون إجازات إلا تعطيل ليوم أو أكثر في الأعياد أو المناسبات الدينية تحت كل الحالات الجوية من برد زمهرير أو ريح لافح أو رطوبة خانقة، وبوسائل في غاية البدائية لا تتجاوز الصخين (المسحاة) والليان (الوعاء للمونة) والزيرج (الوعاء للماء) والكمشة (الملعقة لكب المونة) والمخباط ( القفاز لضبط المونة) والجاخوار (السكِّلة التي يعتلي عليها البناؤون لممارسة عملهم).

كان البناء في السابق يعتمد على مكونين رئيسين هما المونة وكانت من الطين المحروق الذي يجلب من المطاين شرق العوامية هو موقع مستشفى أمراض الدم الجديد ثم يحرق في ساحة الفتية في أماكن خاصة تسمى (الصيران) لتنقل بالليانات الى مواقع البناء وفقا للحاجة لترص بها مع الحجارة  صفوف الجدران وتغطى بها طبقات الأسقف المكونة من جذوع النخل.

ثم تم التحول لمادة الإسمنت وحطب الصندل والباسكيل في منتصف القرن الميلادي السابق، ثم حطب المرابيع مع خشب الشرائح وطبقة من الصمغ عليها صبية (طبقة إسمنتية غير سميكة) وهي المرحلة التي مارس فيها الحاج علي سعيد مهنته مندرجاً في جميع مراحلها، حتى أصبح معلما في بداية الستينيات الميلادية وهو في بداية العشرينيات من عمره.

 وهذا يعتبر سنا مبكرة للقيام بهذا الدور لكن التزامه وإخلاصه في عمله وإتقانه لجميع مهاراته وثقة الناس فيه هي من أوصلته إلى هذا الموقع وإستمر في ذلك حتى  توقفه عن هذا العمل لسببين أحدهما عزوف الناس عن البناء بالنظام العربي، الذي يتقنه جيدا، وكذلك إبتلاؤه بحساسية في يده بسبب مادة الإسمنت فعدل عنها إلى مهنة تجارة المواد الغدائية عبر بقالة افتتحها في عمارة هو بناها بيديه ثم ورثها عن والده رحمه الله وبقي فيها قرابة ثلاثين عاما حتى تمت إزالتها ضمن مشروع تطوير وسط العوامية قبل ثلاث سنوات.

قاربت مدة عمله في هذ المهنة ثلاثين عاما استطاع أن يبني فيها مئات المنازل آوت معظم أهل بلدته العوامية وعمل معه عشرات الناس، كانت هذه المهنة مصدر رزقهم وكثير منهم تخرجوا بنائين ومعلمين على يديه.

رحم الله الخال علي بن سعيد وغفر له وعوضه بما قدم في حياته  وعانى فيها ما عانى جنة الرضوان، وربط على قلوبنا وجميع فاقديه بالصبر والسلوان.

* عضو مجلس الشورى، ابن أخت الراحل.

من خيار العوامية

علي النمر

كان محباً لأهالي العوامية، روحه مرحه، كريم بسخاء، عُرفت عنه بشاشته وحبه للصغير والكبير. كان دكانه في حي المسورة ملتقى للكثير من مختلف شرائح مجتمع العوامية، وفي مختلف الأعمار، وعامراً بالقصص والعبر والسيرة العطرة الموثقة لتاريخ العوامية خاصة والقطيف عامة ورجالاتها.

كان الكثير من شباب القرية يزورونها بحب، وكانت بحق ديوانية حوارية.

افتتحها في بداية الثمانينات أيام الازدهار الاقتصادي، وصار لها زبائن من المارة المتوجهين الى أعمالهم في الصباح الباكر، لوقوعها في الشارع العام.

فقدت العوامية واحداً من خيار رجالها في الكرم والجود والعطاء والطيب والإحسان ويعرف ذلك الجميع.

الأستاذ

عبدالله علي أبو رشيد

و “الأستاذ” ـ هنا ـ أتت لاستحقاقه في بناء الدور التقليدية المقامة في ذلك الوقت بالحجر البحري من التأسيس حتى التشييد مع مقدرته في إدارة العمال والحرفيين في فترات قصيرة.

وكما أخذ اسم آخر أكثر شيوعاً في ذلك الوقت حينما يسألك أحد ما مع من تشتغل؛ فإذ يكون الجواب مع “علي بن سعيد”. وهذا الاسم ليس تقليلاً لمكانته بقدر ما هو رفعة له لما يحمله من تواضع جم واحترام لكل العاملين وتوجيههم الى الإنجاز، ولما يتمتع به من أخلاق ونكتة وضحكه لا تخلو من جو العمل الشاق، فيطفئها بمزاح أحياناً، وحتى في أقصى لحظات الغضب كان ودوداً عفيف اللسان إلا من كلمات من هنا وهناك فيها لطف واستحسان.

تراه في البيوتات التي شيدها، وفي المناسبات، وفي الطرقات، وفي البقالة التي كانت مصدر رزقه، بعد الفترة الانتقالية من البناء التقليدي إلى البناء المسلح.

بقالته جعل منها سلوة لمن لا سلوى له.. كان يجمع بعض كبار السن وبعض الشباب فيها كمتنفس لهم يتبادلون أطراف الحديث، وكما هي العادة النكتة والضحكة حاضرة.

كان أباً ناصحاً

عبدالواحد السماعيل

لم يكن الحاج علي بن سعيد الربح – رحمة الله تعالى عليه – مجرد جار، بل كان بمثابة الأب، نعرفه معرفة تامة منذ طفولتنا.

عاش بناءً ماهراً مدة طويلة، وشُيّدت العديد من المنازل في البلدة تحت اشرافه المباشر، ثم انتقل فيما بعد للعمل كتاجر في بقالة اشتهرت باسمه في الحي، فكان من ذوي الخبرة ممن مروا في هذه الحياة بتقلبات وظروف متعددة.

كان يعامل الجميع معاملة أبنائه، ولا يخلو حديثه معنا من تقديم النصيحة والإرشاد نظرا لما يمتلكه من خبرة في هذه الحياة.

لا أتذكر أنني التقيته مرة إلا وابتسم ليسألني عن أحوال الوالد ويردف بالترحم على والدتي ويسأل عن جميع الأخوان..

كان هذا تعامله ليس معي فحسب، بل مع كل من يلتقي معه، إلى آخر أيامه وبالرغم مما مر به من ظروف صحية وتقدمه في العمر إلا أنه كان بشوشا كعادته.

لا خوف عليك

سعد محمد الشبيني

من عرفك عن قرب وجدك إنسانا بكل ما تحمل هذه الكلمة من رحمة ومودة.. وبلا عداوات ولا خلافات، وأكثر شيئ مازال ماثلاً أمامي موقفه الخالد الذي تتجلى فيه الرحمات، حينما اعترض صاحب أحد البيوت على وجود أخوين يتيمين صغيرين في السن يعملان في البناء.

قال له أبو حسن ـ رحمه الله ـ هذان يتيمان علينا تقديم المساعدة لهما دون إشعارهما بالعطف والصدقات.. فإذا كان ولابد فلتكن أجرة الاثنين قيمة رجل واحد، وبالتالي استطاع إقناع صاحب المنزل بقبولهما وإنخراطهما في العمل، دون حساسية، وفي نفس الوقت حفظ ماء وجهيهما.

وكما لا يخفى على الجميع بأنه أكثر من شغل الطلاب الدارسين بنظام نصف دوام، بعد خروجهم من المدرسة وبالتالي وفر لهم ما يستطيعون به الاستمرار في الدراسة.

التقيته قبل أمس معزيًا لنا بابن خالتي رحمه الله وسلم عليّ بحرارة وأخذ يسأل عني وعن حالي

كان بيننا رباط كبير بحكم الجيرة داخل الديره كان الجميع وقتها يعرف بعضه الآخر وكان رحمه الله يحمل الود للجميع.

 

انتقل جسداً وروحه مازالت

علي السويكت

رحم الله الحاج علي سعيد الربح؛ فقد كان محبوبا لدى الجميع وذا أخلاق عالية، يشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم، حتى وهو في ظروفه الصحية الصعبة. كما أنه كان مواظباً على صلاة الجماعة في مسجد الإمام المنتظر (ع) رغم ظروفه الصحية أيضاً.

أيضا كان رحمه الله مقيما لمآتم أهل البيت عليهم السلام في حسينية الرباحة داخل مسورة العوامية، ثم صار يقيم المآتم حتى أخر حياته في منزله.

ناقصنّك شي..؟ محتاج شي..؟

زكي عبدالعزيز الفرج

الأب العزيز الغالي أبو حسن علي سعيد رحمة الله عليه، هو أب للجميع لا يوجد أحد في العوامية لا يعرفه ولا يوجد أحد إلا وبينه وبينه موقف وموقف خير.

رجل نصوح ويعتبر سكان العوامية كلهم أبناءه، كنا نجلس معه في الدكان وينصحنا، كنا نشكو له همومنا.. كان نعم الأب والصديق والأخ..

كان كريم جدا وخلقه رفيع.. رجل روحه ملائكية تجلس معه وترتاح وتطمئن.

هناك مواقف لا تنسي، يسأل دائماً “ناقصنك شي.. محتاج شي..؟ أنا أبوك”. وعندما يفتقدك يسأل عنك ويحسسك بدفء الأب الحنون فتأنس النفس به، تجلس معه تشعر بالدفء والحنان.

—–

ليّن حسن النية بارٌّ بأهله

د. عبدالله النمر

عُرف في بلدتنا الحبيبة بدماثة خُلقه ومشاركته الناس في أحزانهمُ ومسراتهمُ رغم معاناته في الفترة الأخيرة مع المرض.. وكان (رحمه الله) صاحب أخلاق سامية وذا شخصية أريحية محبوبة من الجميع.

لطيف الروح، يتحلى بدماثة الخلق، وطيب المعشر، والتواضع الجم، والتسامح والرفق واللين والصدق، وكان حسنَ النية والبساطة وذا صفات كريمة نجيبة، بارًّا بأهله محبًّا لهمُ عطوفًا رحيمًا بهمُ، عاش حياته كلها في كفاح وكدٍ وتعب، كريمًا معطاءً..

نعم لقد امتاز بـالسمعة الطيبة العطرة، والسجايا الحميدة، وجمال الروح الإنسانية التي يصعب أن تجدها في هذا الزمان، حيث كان يتعامل مع الجميع بأدب وحياء ولطف كبير والجميع يشيد به ويحترمونه (رحمه الله رحمة واسعة)، له ذكريات جميلة في نفوسنا.

عمل ردحاً من حياته أستاذاً أو كما يعرف ببعض المناطق معلماً للبناء للبيوت الحجرية المستخدمة من حجر المرجان المستخرج من البحر، وهو أحد فنون العمارة القديمة التي تعكس التطور المعماري الحضاري للشعوب في الزمن القديم وتعبر عن حاجة الإنسان في كل زمان ومكان فتلك البيوت المتلاصقة التي بنيت على الأرض ترسم لنا بعض معالمها بتجانس بهيج، ولم ترهق كاهل أصحابها في بنائها كما أنها لم تثقل وجه الأرض بحفرها ودق أسياخ الحديد وصب كتل الحديد فيها وكان يعتمد أيضاً على الجدران الحاملة كنظام بناء رئيسي واستخدام السقوف الخشبية لرخصها وسهولة بنائها، وكل ما ذكرته من معلومات هنا هو ما كان يقوم به الآباء من مجهود وحرفة بناء من باب التعريف بما يعني أستاذ البناء.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×