عقاقيرولوجي (3)
رضا عبدالله
أنتم لا تؤمنون بالطب البديل ومتأثرون بالغرب.. (يامتعلمين يا بتوع المدارس)
لعل قد وجه لك هذ التعليق إذا كنت ممن يتخذون المنهج العلمي في التفكير، سواء كنت من المختصين في المجال الصحي أم لا, بل قد تسمعها أيضا ممن يعملون في مجال الصحة. فهناك الكثير من المغالطات في ما يخص الطب البديل, وأصبح من يتبناه يرفض التداوي بغيره – كالطب التقليدي الحديث – ويشكك في مصداقيته العلاجية, وحصلت وتحصل سجالات ما بين مؤيد ومعارض إلى يومنا هذا.
ما المشكلة في الطب البديل ؟
حسب منظمة الصحة العالمية يشير مصطلح الطب البديل إلى مجموعة واسعة من ممارسات الرعاية الصحية التي لا تشكل جزءًا من الطب التقليدي في ذلك البلد وليست مدمجة بالكامل في نظام الرعاية الصحية السائد. يتم استخدامها بالتبادل مع الطب التقليدي في بعض البلدان.(1)
ويضم هذا المصطلح العديد من الممارسات كالتداوي بالأعشاب, الروحانيات, العلاج بالطاقة, الطب النبوي.. إلخ, وهذه الممارسات منتشرة في جميع أقطاب الأرض، ومورست في الكثير من الحضارات إن لم تكن كلها, وبعضها لايزال يستخدم حتى الآن, على سبيل المثال كان أبقراط يستخدم نبتة القديس جون (St. John’s wort) لتحسين المزاج, أما حالياً فهي تُستخدم كدواء لبعض حالات الاكتئاب (بعض المصادر الطبية لا تنصح باستخدامها للحالة المذكورة) (2).
إلا أن هناك عدة مشاكل تواجه الطب البديل نذكر عدد منها باختصار:
أولا: الدراسات ليست كافية:
مما يؤسف له أن الجهود العالمية مقصرة في هذا المجال، وخاصة في عالمنا العربي, مع أن منظمة الصحة العالمية وضعت استراتيجيات (3) وتوجيهات ومناهج (4) متعلقة بممارسة الطب البديل (الشعبي)، وتصدر تقاريرها(5), إلا أن الدراسات والإحصائيات قليلة جدا مقارنة بالطب الحديث، وليست شاملة لكل الممارسات التي تخص الطب البديل, مما يعطي العذر للمناهضين للطب البديل بعدم الثقة به والاقتصار على الطب التقليدي أو الحديث.
ثانياً: التخصص الاكاديمي:
لو ذهبت إلى أقرب مستشفى حكومي أو غير حكومي فإنك لن تجد طبيب/أخصائي مرخص للعمل بالطب البديل, بل حتى لا يوجد قسم أو وحدة مصممة ضمن هيكل المبنى, وطبعا هذا يعود لعدم وجود جامعات أو مؤسسات تعليمية تعطي شهادة معترف بها لممارسة الطب البديل كأحد فروع الطب, نعم هناك عيادات خاصة هنا وهناك، لكن مقارنة بعيادات الطب التقليدي فهي لا تذكر، ولا تحظى بثقة الجمهور العام .
وتجدر الإشارة أن المركز الوطني للطب البديل والتكاملي(6) يتقدم خطوة للأمام لتفعيل دور الطب البديل، والمشاركة في تحسين الصحة العامة للمجتمع, ويبدو أن تركيزهم الحالي ينصب نحو الحجامة, فقد قامت بإصدار تصاريح بفتح عيادات للحجامة وفق الشروط والمعايير الطبية (7).
ثالثاً: ادعاء المعرفة ممن هب ودب:
الكثير ممن ينصح ويعطي استشارات باستخدام الأعشاب أو غيرها من ممارسات الطب البديل لا يملك شهادة تؤهله لذلك (ولا حتى مزورة)، بل فقط يدعي الخبرة فيها أو قرأ كتابين أو ثلاثة. ولك أن تذهب لأقرب مكتبة فسوف تجد قائمة كبيرة من هذه الكتب التي لا يعرف مدى وثاقتها العلمية ومتوجة بعناوين براقة كالمرجع الأكيد للتداوي بالأعشاب، والموسوعة الشاملة للطب البديل، ودورات في علم الطاقة وغيرها, ولا تكاد تجد بين طياتها مصادر علمية وطبية لكي تأخذ المعلومة وأنت مرتاح البال.
وما يزيد الطين بلة، أن ادعاءات الممارسين تصل إلى علاج كل الأمراض والخطيرة منها بالذات، كالسرطان بكل أنواعه، وبدون أدلة سريرية ولا إحصائيات معتمدة .
رابعاً: الكثير من العلاجات مجهولة:
خاصة ما يسمى بالخلطات والتي عادة تتكون من أعشاب وزيوت طبيعية (البعض منها يحتوي على أدوية مثل(Sildenafil) التي تستخدم للحالات الجنسية أو كورتيزون كالتي تستخدم للحالات الجلدية) , فالكثير منها لا يعرف المواد التي فيها وكميتها ولا تحتوي على تعليمات التخزين المثلى للمنتج وتاريخ صلاحيتها. أما التي تأتي من شركات مصنعة فبعضها لم يتم فحصها من قبل هيئة الغذاء والدواء للتأكد من فعاليتها وسلامتها الدوائية.
ومن هنا نذكر ما لهيئة الغذاء والدواء من جهود تشكر عليها في ضبط المنتجات العلاجية وتقييمها, فبالإمكان الدخول على قنواتها الرسمية والاستفسار عن أي منتج إن كان مصرح أم لا أو حتى أصلي أم مقلد, وهذا ينطبق على الأدوية التقليدية والعشبية وأدوات التجميل والمواد الغذائية وغيرها.
خامساً: الدجل:
مع الأسف كثر الدجالون باسم الطب البديل، والهدف واضح وهو جني المال. وكما ذكرنا سابقاً فالممارسون للطب البديل يدعون علاج كل شيء وعادة يستغلون الجانب العاطفي للناس وخداعهم بانهم يستخدمون الرقية الشرعية أو الطب النبوي أو الرجوع للطبيعة، وأن هناك مؤامرة عالمية تقودها شركات الأدوية وغيرها. وهذا حط من مصداقية الطب البديل في أعين الناس والمتخصصين منهم في المجال الطبي بالخصوص.
الطب البديل خاصة الشعبي منه له جذوره القوية في الساحة الطبية فنحن لا ننكره كله ولكن أيضا لا نقبله كله, فالخمس المعوقات أعلاه، وهناك غيرها الكثير، لا تتعلق بأصل قبول الطب البديل كأحد فرع العلوم الطبية, بل في الممارسات الخاطئة له وقلة الدراسات والأكاديميات والكثير من الغموض وإدعاءات تحتاج إلى إثبات. فالموضوع يحتاج اهتمام وحراك عالميين.
أرجو في المستقبل أن نرى في المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى أقسام خاصة للعلاج بالطب البديل تكون محكمة علمياً, ومن يدري ربما في المستقبل القريب ونحن نتصفح الدليل الدوائي (Drug Information) نرى بين طياته مستحضرات شعبية اثبتت جدارتها .