زهر الإترجّ.. علامة الربيع وشرابٌ يداوي مشاكل الصدر

صباحك الصّبَّاحيْ

والورد والفُقَّاحي..!

 هذه هي الصيغة الأصلية لأهزوجة جدّاتنا وأمّهاتنا في هدهدة الصغار. وقد اختفت كلمة “الفُقّاحْ” من الأهزوجة وحلّت كلمة “التفّاح” محلّها. والفرق بين “الفُقّاح” و “التفاح” ليس فنياً محضاً. إنه فرقٌ ثقافيّ جوهريّ. كانت جدّاتنا يستخدمن الكلمة في الأهزوجة انعكاساً لبيئتهنّ الزراعية التي تُسمّي زهْر الإترجّ بهذا الاسم. وأبناءُ جيلي أدركوا “الفُقَّاح” وكثيرٌ منهم أكلوا منه، وخـَبَروا عطره.

ثم إن”الفُقّاحْ” كلمة عربية فصيحة جداً.. جاء في [لسان العرب: فقح]: “فُقَّاح: كل نبت زَهْرُه حين يتفتح على أَيِّ لون كان، واحدته فُقَّاحة. قال عاصم بن منظور:

كأَنكَ فُقَّاحةُ نَوَّرَتْ

مع الصُّبْحِ، في طَرَفِ الحائِر

وفي [الصحاح في اللغة: فقح]: “وعلى فلانٍ حُلَّةٌ فُقَّاحِيَّةٌ، وهي على لون الورد حين همَّ أن يتفتَّح”. وفي [القاموس المحيط: فقح]: “فقّحَ النَّباتُ: أزْهى وأزْهَرَ”. وفي العموم؛ فإن المعنى الأول لـ “الفقح” هو التفتح، في الكلام، والزهر، وغيرهما.

وهذا ينتهي بنا إلى أن التسمية القطيفية “فُقّاح”فصيحةٌ تماماً من دون أية شائبة أو انزياح صوتي أو دلاليّ. كما أن إبدال القاف كافاً مخفّفة استعمالٌ فصيحٌ أيضاً. وبعض سكّان جنوب القطيف، مثل أم الحمام، يسمّون زهر الإترج “فَنْقيحْ”.

وفي محافظة الأحساء ينطقون الكلمة “فَقَّيح”، وتعني “زهر الثمار عامة وزهر الحمضيات خاصة”، حسب [معجم المصطلحات الزراعية في واحة الأحساء: 153].

شراب الإترجّ

ورق الإترجّ وزهره من أكثر النباتات العطرية طيباً في الرائحة والنكهة. ويُمكن أن يُعدّ منهما شرابٌ طيبٌ يفضّله الفلّاحون في البرد. وتحرص الجدّات على توفيره للذين لديهم مشاكل في الصدر والجهاز التنفسي. وهو يُعدّ بسهولة، بغلي الورق وحده، أو الزهر وحده، أو كليهما، حتى يخضرّ الماء المغلي. ثم يُترك قليلاً ليخدر، ثم يُصبّ في أكواب، ويُحتسى مع السكر حسب الطلب.

وهناك من يُعدّ ورق الإترج بإضافة “الفوطن”.

إترج، إتْرنْج، إترنْيْ…!

في لسان العرب مادة “ترج” أفرد لها ابن منظورٍ حديثاً مطوّلاً، ضمن معاني الكلمة. وكذلك فعل الفيروزآبادي في “القاموس المحيط”. أما الرازي؛ فقد مرّ سريعاً في “مقاييس اللغة”. وتناولها الجوهري في “الصحاح في اللغة” مرّتين، ضمن مادة “طيب” ومادة “شمم”. وتناثر بيتُ علقمة في شواهدَ كثيرة عند هذه المصادر، تركيزاً على طيب الإترجّ وعطره المشموم في الأنف.

ويمكن رصد تعبير “ذَفِر المَشَمّ” في غير مصدر، مديحاً لورق ما يُعرف اليوم بـ “الحمضيات”. ينقل ابن منظور عن اللحياني قوله “كل ملْحٍ أَو حامض من الشجر كانت ورقتُه حيَّةً إِذا غَمَزّتها انْفَقَأَتْ بماءٍ وكان ذَفِرَ المَشَمِّ”. ومعنى ذلك أن ورق الشجر من الحمضيات مليءٌ بالماء وله عطرٌ طيب. والإترجُّ يأتي في صدارة احتفال الشواهد؛ ذلك أن علقمة احتفى بعطر ما تحمله الراحلات من عطر. فهو يريد أن يقول من يبسط يديه معانقاً يشمّ عبير الإترجّ والمسك في مفارق الشعر:

يحملن أترجة نضخ العبير بها

كأن تطيابها في الأنف مشموم

كأن فأرة مسك في مفارقها

للباسط المتعاطي وهو مزكوم

وتشرح المعاجم سبب تحوّل “إترجّة” و “إترجّ” إلى “تُرنج” و “أُترنج”؛ باستخدام العوام. “والأَول كلام الفصحاء”، يقول ابن منظور. وهذا يفسّر نطق بعض الحواضر الخليجية لاسم الثمرة “اتْرني” و “اترنيَهْ”. فهذه الحواضر تُبدِل الجيم ياءً.

حبيب محمود

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×