[كتابة] محمد الحميدي: أنايَ سمكةٌ والصيَّادُ أنا
محمد الحميدي
حادٌّ ومُؤلم، إنَّه الشعورُ بالتَّلاشي، حيثُما التَقت مَشاعري، وأفكَاري، ظلَّ الناتِج؛ لا شَيء، ثمَّة أبديَّةٌ لا مَرئيَّة، تجتاحُني، وأنا مأخوذٌ بعالميَ الفَريد، إذِ الوِحدة، تتخطَّى حواجزَ الزَّمكَان، ولا يوقفُها سِوى الهَدير؛ ذلكَ النَّبعُ الفَائض، من دهشةِ الألم. مؤلمٌ وحاد، إنَّه الشعورُ الذي يَعتريني.
كم أسرفتُ، وشارفَت رُؤايَ على الظهُور، إنَّما مَنعها: الوقت، والمكَان. لا أمانَ لعالَمِ الوِحدة، من ظِلٍّ، يُرافقُ الخطُوات، أمضي بعيداً، حدَّ الدهشَة، وأنا أشاهدُ دَاخلي، أنايَ المُتفرِّدَة، وهيَ تُعانقُ الخُواء. لا مشيئَة، تحكمُ عَالمي؛ حيثُ الكَائنات، لم تُوجد، بعد، وما من سَبيلٍ لمعرفتِها، أوِ التكهُّن بشكلِها.
الرائحةُ مُؤلمة، تضغطُ أنفَاسي، حينَ أمرُّ قريباً، من عتبةِ الأنا، فما بينَ قدَم، تَخطو إلى الداخل، وقدَم، مُثبتةٍ خارجَها، أشعرُ بعبثيةِ الكون، وتدفُّقِ اللا شيء. لا أعلَم، أ شُعوري؛ هوَ الحقيقةُ نفسُها، أمْ زيفٌ فتَّاك؟ إربَاك، ضجِيج، عالمٌ فارِغ، مشهدٌ غيرُ مألُوف.
التأرجُح، ما بينَ بين، بينَ عدمٍ مُطلق، ووجودٍ أبدِي؛ تلكَ هيَ الرائحةُ المُنبعثة، أ كلَّما حاولتُ إمساكَها؟ انسابَت من بينِ أصابِعي، وتلبَّسَت بلُبوسٍ مُختلِف، فلَم أعُد أعرفُها، وأعجزُ عن اكتشافِها! أنا ضَائع، وأشعرُ باللا جَدوى، إزاءَ الخرابِ الممتَدِّ، بداخلي، وما من مَهرب، يَنتشلُني.
أسئلَة، ضجِيج، روائحُ تعلُو، همسٌ يتقاطَر، وصَدى أنفَاسي، وحدَه، يصلُ أُذنيَّ، لا أستمعُ لِشيء، سِواي، الجهاتُ السِّت، توحَّدت بي، ألتَف، وألتَف، فلا أجدُ أمَامي، إلا اتجاهاً واحداً، نحوَ الداخِل، وما من داخِل، إلَّاي، أنا وحدِي، مُفعمٌ باللا شيء، والجدوَى؛ فقدَت بُوصلةَ الوُصول، إليَّ.
فلأهرُب منِّي، وأتجِه إلى الخارج، لوِ استطعتُ، إنَّما، لا أجرُؤ، فالألَم، يعبثُ بي، ويقودُني ناحيةَ الداخِل. أنايَ عطشَى، وإناءُ الشُّرب؛ أنا، حيثُ فقدتُ الأشيَاء، ولم يبقَ لي، إلا اليُتم، وحدِي أُعاني، ووحدِي؛ مَن عَليه الخلاص، أمَّا الحياة، فليست أكثرَ من؛ ومضةِ نيزَك، مرَّ، ودمَّرَ الأرض، وابتلعَني.
ما زلتُ أنا، أو، ما زالَت حقيقَتي؛ هيَ أنَاي، صِراعيَ المحمُوم؛ للظَّفرِ بجائزَة، لا أعرفُها. ما أشدَّ شقَائي! حينَ أرتدُّ، ولا أجدُني، فالخُواء، قِبلة الرُّوح، وأنا، لا روحَ لي، أتبيَّن الحقيقَة، وأخافُها، أخشَى مصيرَ أسلافي، وأجتهِد؛ لتغييرِ المشهَد، لكنَّ المشهَد، يأبَى، إلا أنْ يَستمر، وعليَّ التفكِير، ألفَ مرَّة، قبلَ التَّهور، ونقلِ القدَم، إلى الداخِل.
تتَّسعُ هُوَّةُ المشهَد، ومُحاولاتي، تبوءُ بالفشَل، فما بينَ العالمَين، ثمَّة سِتارة؛ أشلاءُ زُجاجةٍ غارقَة، تفصلُ الحقيقَة، عن الزَّيف، تفصلُ عَالمي، عن عَالم، لا أعرفُه، ولم يسبِق لي ولُوجُه، أعترفُ: أخافُ الظُّلمة، والوحدَة، وشيطانَ الزَّوايا. لا أفهَم؛ كيفَ اِستطاعَ الانسِراب، والتربُّصَ بي، وحِياكةَ المكَائد، حَولي؟
أنفلِت، وأتيهُ، أرتحِل، إلى لا مَألُوف، يقعُ خارجَ التَّصوُّر، وإمكانِ التنبُّؤ، فالقدَم الراسخَة، هُناك، حيثُ العالمُ الأزَلي، لمَّا يتكوَّن بعد، ولمَّا تنكشِف أسرارُه، وخبايَاه. الوحدَة؛ مُخيفة، ومُؤلمة، والنَّجَاة؛ طرِيق، ليسَ سهلاً، أنْ أسلكَه. ليتَني؛ أستطيعُ الرُّؤية؛ لأسيطرَ على أنفَاسي، وأنجو؛ من عذابِ التردُّد.
الحيرةُ؛ تنهشُني من الخارج، وعقلِي؛ ما عادَ يحتملُ المزيد، فالقدرةُ على الهرَب، ابتعدَت، وأصبحتُ أحملُ أنفَاسي، على كتِفي، ورائحةُ الخيانَة، تَفوح، بألمٍ بَاهر، من بينِ براثنِ أنَاي؛ القوةِ التي أفقدَتني سيطرَتي؛ على الأشيَاء، وعلى جَسدي، وعلى العالمِ من حَولي، أنا غَارق، والشَّتاتُ يلفُّني؛ كَطِفل، لم يُولد بَعد.
الأقدَار؛ تلكَ الكلمةُ الخرافيَّة، باتَت ترسُم؛ خَطويَ القَادم، فما بينَ قدمٍ عَالقَة، وقدمٍ سَالكَة، أتأرجَح، ولا أدركُ مَعنى الوجُود، إلا بِعدمِي، أ أنا العدَم، وأجهلُ ذلك؟ كلا، لستُ عدماً، ولن أكُون، فالوجودُ شبكَة، تصطادُ الأسمَاك، وأنا، هوَ الصيَّاد، فلأَرمِ الشبكةَ إذَن، وأصطَد.
مُؤلم؛ انتقالُ القدَم، من عَالم، إلى آخر، اِنعطافةٌ حادَّة، ومصيرٌ مَجهُول، يترقبُني، المشهدُ غائِم، والتنبُّؤ مُستحيل، القدَم الرَّاسخة؛ اهتزَّت، ما عادَت تعرفُ العزف، وحدَها أنَاي؛ سمكةٌ ماهرَة، تجيدُ السِّباحة، بداخلِ البحر. فلأُلقِ الشبكَة، وأحاولْ اِصطيادَها.
31 يناير 2020م