مراجع يجادل صيادلة مركزي القطيف.. والهويدي تسرد قصة صراع 80 عاماً مع البكتريا عودوا إلى طعام أمّهاتكم.. واستغنوا عن المضادّات الحيوية
القطيف: صُبرة
فيما كان الأطباء والصيادلة والفنيّون يشرحون للناس مشكلة الإسراف في استخدام المضادّات الحيوية؛ كان فؤاد المبارك يشرحُ موضوعاً آخر. كان يدافع ـ بقوة ـ عن طعام المنزل، وعن الأغذية الطبيعية.. عن الليمون الأسود، والبهار. كان يُهاجم طعام الأسواق، وتشرح حماسته تجارب شخصية له، مع الأغذية والأطباء..!
هناك صيدليّ شابٌ يناقشه في تفاصيل أخرى تعلّمه من دراسته.. وكلا الطرفين متمسكٌ بما لديه. كلاهما في فعّالية نظمها مستشفى القطيف المركزي للتوعية بأخطار المضادّات الحيوية، صباح اليوم الثلاثاء.
اصطفّ الصيادلة والفنيون والأطبّاء لمحاورة الناس. والمبارك واحدٌ من الناس، ولم ينحسم النقاش بينه وبين المختصّين. هنا تدخل استشاري الصيدلة الدكتور صلاح بوحليقة، وبهدوء راح يرد على المبارك: هذا علمٌ لم نتعلّمه…!
المبارك والدكتور بو حليقة أثناء النقاش
غذاء صحي.. علاج سهل
في ممر المستشفى لم يبدُ المبارك والصيادلة متناقضين.. بل كانوا أقرب إلى المتقاطعين في تأكيد أساسيات في الصحة العامة. المضادات الحيوية جزءٌ من العلاج. والأطعمة الصحية جزءٌ من الوقاية. هكذا يتكامل المبارك المصرّ على العودة إلى طعام الأمهات والزوجات، والطبيب الذي يأتيه مريض يعاني مشكلة لها علاقة بالبكتريا، ويتطلّب العلاج استخدام المضادات الحيوية..!
هورمونات الأغذية
على الجانب الآخر كانت الدكتورة مواهب الهويدي واختصاصي المختبر جعفر آل طويلب يحاوران مراجعاً كثير الأسئلة.. هناك رابط قويّ جداً بين طعام الأسواق والبكتريا والمضادات الحيوية.. نمط الحياة المعاصرة والأهداف التجارية جعل من البكتريا عدوّاً أشرس من أي وقت مضى.
الهويدي وآل طويلب تحدّثا عن التدخل البشري الذي تتلقّاه الحيوانات من أجل أن تكون أكبر حجماً، وأغلى ثمناً. ليس الحجم إلا حاضناً للبكتريا في نهاية هذا التدهل.
هذا في جانب.
وفي جانب آخر؛ حصلت أنواع البكتريا على أكبر فرصة حيوية لها على امتداد التاريخ. البكتريا ليست كائنات ضئيلة الحجم فقط، بل هي كبيرة التأثير والخطر أيضاً. فوق ذلك هي عنيدة ومقاومة من الطراز الذي وصلت فيه مراكز الأبحاث إلى مرحلة من الضعف أمامها.. فما هي القصة..؟
الدكتورة مواهب الهويدي تعرض تاريخ المضادات الحيوية
صراع قديم
ظهرت أولى المضادّات الحيوية سنة 1937م. كانت نجاحاً علمياً باهراً أثبت قدرة المضاد المعروف بـ Sulfonamides على القضاء على البكتريا التي تواجه جسم الإنسان. في ذلك العام شهد العالم نصراً علميّاً خارقاً في نظر الأنسان. ولكنّ الذي حدث هو العكس من ذلك تماماً. فبعد سنواتٍ قليلة؛ حققت البكتريا نصراً ضدّ الإنسان.. نصراً لم تتوقّعه المختبرات.
وظهرت سلالات جديدة قادرة على هزيمة المضادات الحيوية التي أنتجها العلماء. بدا الأمر محيّراً، فعاد العلماء إلى مختبراتهم وأنتجوا مضادّاً حيوياً جديداً هزم البكتريا للمرة الثانية. مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي شهدت صراعاً بين الإنسان والبكتريا، ولم ينتصر الطب مجدداً إلا عام 1954، بظهور مضادّ جديد هو Colistin.. وظنّ الإنسان أنه انتصر.. لكنه نصرٌ مؤقت..!
من يحتاج إلى المضاد..؟
منذ ذلك التاريخ حتى يومنا الحالي؛ استمرّ الصراع بين الإنسان والبكتريا في المختبرات العلمية وفي أجساد المرضى. ترتفع درجة حرارة المريض مُصاباً بالتهابٍ ما، وشاكياً من آلامٍ عامة، أو آلامٍ في منطقة الالتهاب.. هنا يتدخل الطبيب ويستعين بالمضاد الحيوي لمحاصر البكتريا والقضاء عليها..
حسناً؛ ينجح الأمر في البداية.. لكن البكتريا تعود في أجيال جديد تتلقّى المضاد الحيوي وهي تحمل مناعة ضدّه. ويفقد الدواء جدواه، ليتطلّب الأمر مضادّاً حيوياً أقوى. وعلى هذا تستمرّ سلسلة النصر والهزيمة بين الإنسان والمضاد الحيوي.
صراع 80 عاماً
بعد قرابة 80 سنة على استخدام أول مضاد حيوي؛ أفاق العلم على صدمة عالمية هائلة.. البكتريا كائن حيٌّ شرس يريد الحياة، يريد البقاء، ويُصارع من أجل ذلك. كما يُصارع كل كائن حيٍّ آخر. وحين يتعرّض جيل منه لهزيمة؛ فإن الجيل الجديد يُعيد بناء قوته لهزيمة العدو.. الإنسان..!
هذه هي خلاصة القصة التي تحدثت عنها الدكتورة الهويدي والاختصاصي آل طويلب.. لـ “صُبرة”.. وهي قصة مستمرّة يواجهها العالم بحذرٍ شديد.. هذا الحذر ترجمته منظمة الصحة العالمية ووزارات الصحة في الدول إلى التخفيف من استخدام المضادات الحيوية إلى الحدّ الممكن.
إلا بوصفة طبية
في المملكة العربية السعودية؛ شدّدت وزارة الصحة على إصدار تشريعات أساسية للتعامل مع المضادات الحيوية. وهذا ما أشار إليه المدير التنفيذي في مستشفى القطيف المركزي الدكتور رياض الموسى. “لا يمكن صرف مضاد حيوي إلا بوصفة طبية”. سابقاً كانت الصيدلية تتهاون من تصريف هذا النوع من الأدوية. الآن اختلف الأمر. الصيدليات الحكومية والتجارية لا يجوز لها إلا التقيد بالتنظيم الجديد.
وفي المستشفى المركزي؛ كانت الفعّالية جزءاً من التثقيف والتوعية بهذا الموضوع الحساس والمهم.
صور