السيلفي بين تخليد الذكريات وعطش الكائن لبهجة المرايا
أثير السادة* |
“إن التقاط صور السيلفي ونشرها للعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، يعد مظهرا من مظاهر الأنانية والتباهي بالنفس والنفاق” غريغ مادسون، قس في ولاية نيفادا الأمريكية
على مقياس القس الأمريكي ، تبدو الصورة الفوتوغرافية متهمة أخلاقيا بتهمة النفاق، حين يوبخ أرباب السيلفي ويذكرهم بأرواحهم الذائبة في نرجسيتها، والذاهبة إلى حدود التباهي والكذب الاجتماعي، حيث السيلفي تورية لكثير من تورمات الذات.
هذا ما يقوله القس، وهو يدخل على الخط متأخرا بعد سجالات لم تنقطع حول صورة “السيلفي” تارة، والصورة المشغولة بوصف الذات عموما تارة أخرى، والتي سنقرأ فيها بنحو متكرر هذه الإشارة إلى النرجسية، ولا أظن التهمة بالجديدة، على اعتبار أن الصورة الفوتوغرافية لا تنسى وظيفتها الأساس وهي التجميل، وتجميل الذات، ووظيفتها الأخرى وهو الخلود، أي تخليد اللحظات التي نريدها لذواتنا أيضاً، غير أن رفع سقفها لتصبح عنوانا للنفاق يجعلها على حافة الأمراض الاجتماعية.
قبل موجة “السيلفي” كانت الصورة رفيقة رغبات الإنسان بحمل لحظاته معه في سفره عبر محطات العمر، فالصورة مذخورة للذكرى، والتذكر الذي يطرد الموت عن لحظاتنا السابقة، ومع السيلفي صارت وجوهنا أختاما للعبور إلى فضاءات الناس، عواطف تسافر بلا طوابع بريد، ونوايا لا تنكر نرجسية الواحد منا وهو يبحث عن الآخرين كمرايا يعرض فيها ذاته وما تجلى عنها في مواجهة عدسة الكاميرا.
هذا الافراط في جعل وجوهنا وأجسادنا بضاعة في سوق الناس يوميا هو ما يحمل القس على جعلها “خطيئة”، وهذا الترتيب المبالغ فيه لفوضى عواطفنا، وهندامنا، ومزاجنا، يصبح لوناً من التباهي الفج لكائن لا يخلو من الخطأ، ومن النقص، ومن الارتباك في معرفة ذاته واكتشافها..مع السيلفي أصبح الكائن “جسدا مستعارا” من خزانة السائد من تقاليع الناس، يتخلى عن حقيقته ليلبس حقيقة اللحظة بما فيها من تشابك لعطش السوق للتكسب وعطش الكائن لبهجة المرايا.
الوجوه التي تصافحنا كل يوم هي مصائد للتحديقات، لكنها مهلهلة، لذلك تبدو كقبض ريح، تتلاشىى سريعا، وفي تلاشيها الدائم دعوة لتكرارها، وهذا ما تأنس به مواقع التواصل وتواصل الدفع إليه، لتكون ذريعة لاستمرارها والاستثمار فيها.
________________
* من صفحته على الفيس بوك.