عين دارين الأرتوازية.. حفرها مهندس نيوزلندي بتمويل الطوّاش بن هارون وصية عمرها 94 عاماً أراحت الناس من حمل الماء على ظهورهم من تاروت يومياً

دارين: ليلى العوامي

تختزل قصة حفر عين “بن هارون”، في جزيرة دارين، الكثير من المواقف النبيلة، التي بدأها إبراهيم بن هارون، قبل نحو 96 عاماً، عندما خصّص في وصيته قبل وفاته، ثلث ماله لعمل أفعال البر والخير من قراءة القرآن وإطعام الفقراء والمساكين في شهر رمضان في كل عام، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وحرص وريثه أحمد بن هارون، على تنفيذ الوصية، بحفر العين، وتأمين الماء الصالح للشرب لأهالي الجزيرة.

ومن هنا، فيمكن تأكيد أن قصة “عين بن هارون”، ولدت أثناء رحلة حج إبراهيم بن هارون عام 1345هـ،  وعززتها خبرة مهندس بريطاني ذي أصول نيوزلندية، كان قد قدِمَ في الأربعينات إلى أرض البحرين، لحفر العيون فيها، وتبلورت مع وصية إبراهيم بن هارون، إلى أن اكتملت أحداث القصة في عهد أحمد بن هارون.. ومن هنا كانت البداية.

المياه في دارين

ويقول أحمد قرامرزي، الذي زار جزيرة دارين  عام 1350هـ تقريباً: “كان الأهالي في دارين يستخدمون مياه الأبار الضحلة، التي لايتجاوز عمقها ثلاثة أمتار تقريباً، يتجمع فيه القليل من المياه غير النظيفة والمالحة أحياناً أخرى، وهو ما صعّب حصول أهالي دارين والبحارة على المياه العذبة للشرب والاستحمام وسقي البهائم التي كانت تربى في منازل القرية، كالأغنام والأبقار والحمير وغيرها.

ماء تاروت

كان بعض أهالي دارين يضطرون للذهاب يومياً إلى بلدة تاروت، التي كانت تبعد عن دارين نحو كيلو مترين للسقيا من عين الماء المعروفة بـ “حمام تاروت”، أو “العين العودة”، وكانت النساء يعملن على جلب الماء، مقابل مبالغ زهيدة من المال، وكن يحملن الماء على أكتافهن، إلى دارين، وكان الرجال يحملونه على ظهورهم، بما يشبه الميزان في صفائح من المعدن، لإيصاله للبيوت في ذاك الوقت، قبل حفر “عين بن هارون”.

البحارة كان عليهم التزود بالماء من العيون المغمورة، تحت البحر، أو تخزين المياه في خزانات السفن المعروفة بـ “الفنطاس”، وذلك قبل وصولهم إلى دارين، لعلمهم بعدم توفر المياه في ميناء دارين.

بسبب هذه الأوضاع، كان الماء غالياً جداً، لا يستخدم إلا في أضيق الحدود، وفي الأمور الملحة، كالشرب والطبخ والاغتسال، فيما كانت مياه البحر لتنظيف الملابس والأواني والوضوء للصلاة.

وثيقة تأمين الماء

كان على أبناء دارين أو الخليج، إما السكن بالقرب من عيون المياه المتفجرة، بفعل الضغط الطبيعي من باطن الأرض، أو السكن في قرى بعيدة عن مصادر هذه العيون، كالموانئ مثلاً، وفي هذه الحالة، كان على الأهالي تخزين المياه، لتكفي حاجتهم، والصبر على مشقة التخزين والثمن الباهط في الدفع لحمّالي المياه.

ويقال إن إبراهيم بن هارون في عام هـ 1343بالتعاون مع الحاجي علي الخياط، عمل على توفير المياه لبيته لمدة عام قبل التفكير في حفر عين بن هارون. وهناك وثيقة تشير إلى هذا المضمون، يقول نصها:

“نعم أنا حاجي علي الخياط بأني تقاولت مع إبراهيم بن هارون، والتزمت له أن أصب له ماي ست رية كل يوم 15 …….. والسنة على 200 ربية في 10رمضان سنة 1343هـ لحق جونية عيش عن 26 ربية في 22 صفر”.

 

دعوة للتبرع

حينما ذهب إبراهيم بن هارون لأداء فريضة الحج عام 1345هـ، كان معه آنذاك ابن أخيه هارون بن محمد، وفرج ساعده الأيمن، وفي هذه الحجة خصّص إبراهيم جزءاً من ماله في مشروع إصلاح وتعمير”عين زبيدة”، التي تقع بالقرب من جبل الرحمة، والمستخدم ماؤها في سُقيا حجاج بيت الله الحرام.

وكان مشروع التعمير مفتوحاً لكل من يرغب في الإسهام، مقابل إعطاء الحاج، وهي شهادة مطبوعة في مصر، متضمنة تواقيع رئيس وأعضاء هيئة “عين زبيدة”، فتبرع بن هارون بمبلغ لا يعلمه إلا الله، وما جاء في الصك المذيل بهيئة “عين زبيدة” عام 1345هـ إذ بدأ بهذه الآية الكريمة:

{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} والآية {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ}

حضرة الراغب إلى الله، والساعي في مرضاته..

إن من أعظم التقرب إلى الله تعالى وطاعته، التي بها تتضاعف الحسنات، هو بذل الهمة من أهل الغيرة والحمية في تسهيل أمر الماء ببلد  الله الحرام، ومن المعلوم أن هذا الماء الموجود في مكة المشرفة، يصل إليها من مجاري بعيدة، في ممر السيول الهائلة والرمل الدقيق وإنه يحتاج في كل وقت للإصلاح والتعمير والتطهير، فكل من أراد الاشتراك في هذا العمل الخيري، الذي لا ينقطع على الدوام من إخواننا المسلمين، فليتقبل هذه الهدية، وليتفضل بدفع ربية واحدة هندية، ليكون من المشتركين في ثواب الإصلاح، الذي تقوم به هيئة عين زبيدة، ضاعف الله لكم الأجر، ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه”.

حفر الآبار

وشاء الله أن يصل رجل من أصول نيوزلندية، يحمل الجنسية البريطانية، يدعى “ميجر فرانك هولمز” إلى جزيرة البحرين عام 1924م على رأس شركة بريطانية اسمها “ايسترن أند جنرال سنديكت ليمتد”، وكانت مهمة هذا الرجل هي استخراج الماء العذب عن طريق حفر الأبار الإرتوزاية.

قد وبدأ بحفر بئرين إحداهما في المحرق، والأخرى في المنامة، ونجح في مهمته، وتابع حفره لأبار آخرى في البحرين، ثم انتقل إلى الكويت، بعدما علم أمير الكويت الشيخ أحمد الجابر الصباح بنجاح التجربة في البحرين، ونجحت التجربة في الكويت، التي كانت تشعر بالخطر بسبب انعدام مصادر الماء عندها، وتعتمد على جلب الماء من نهر البصرة إلى الكويت باستخدام السفن الشراعية.

وصية بن هارون

توزيع الإرث

توفي إبراهيم بن هارون، وخلفه أحمد بن هارون في إدارة أمور أسرة “آل هارون”، وكان أول عمل قام به، توزيع الإرث والعمل على تنفيذ الوصية، فبادر بمخاطبة الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، وطلب منه المساعدة  في إرسال آلة حفر العيون إلى دارين، فتيسر له ذلك عام 1356هـ.

وأرسل شيوخ البحرين آلة الحفر مع رجل يدعى يوسف انجنير، ومعه مساعده بشير إلى دارين، وتم إنجاز المشروع، فكانت العين مكونة من مبنى يحتوي على بركتين، واحدة خاصة للرجال، وأخرى مخصصة للنساء، مضافاً إلى ذلك منطقة مخصصة لغسل الملابس، مسورة ومعزولة عن الرجال، وتحتوي على مجموعة لوالب، وكذلك تم تخصيص مغسلة مكشوفة للرجال وحسب رواية خليفة بن أحمد السادة، الذي أفاد بإطلاعه على رسالة، تخص حفر عين بن هارون، وهذه الوثيقة مرسلة من حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، إلى أحمد بن هارون، محررة عام 1356هـ، ويقول نصها نقلاً عن لفظ الرواي”

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ المكرم أحمد بن هارون بعد السلام عليكم نفيدكم بأننا أرسلنا لكم “الجداحة” مع الرجل يوسف أنجنير ونسأل الله لكم التوفيق.

تنويه

جميع ما ورد في هذه المادة، وصورها ووثائقها، مصدرها الباحث المهندس جلال الهارون، وقد حصلت عليها “صُبرة” بشكل خاص.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×