[شهادات] عبدالغني المدن.. عاش نافعاً للناس.. فكسب محبة الناس بدأ حياته مؤذّناً في مساجد القلعة.. وحافظ على التزامه حتى نهاية حياته
القطيف: فاطمة المحسن
في عمق مجلسه؛ كان يجلس أمام ما يُشبه المكتب الصغير. وعلى سطح هذا المكتب “سماوَر” الشاي، و “دلة” القهوة، والأكواب الصغيرة والفناجنين و “البيالات”..!
ومن أمام المكتب الصغير؛ يتولّى ـ بنفسه ـ خدمة ضيوف مجلسه الذي “كان” يُعقَد ليلياً، في منزله بحيّ المنطقة الرابعة، بمدينة القطيف.
يبدو الأمر وكأنه امتدادٌ للفكرة التي كان عليها عبدالغني سعيد مهدي المدن، فكرة خدمة الناس. فقد أمضى قرابة أربعة عقود في الخدمة العامة، كواحدٍ من قياديّي بلدية القطيف.
وهذه هي الصورة التي استلخصتها “صُبرة” من العارفين بالرجل.. كان رجل مواقف، وحضوره ما زال ماثلاً في أذهان من عاصروه، وهو حضور مشرّف، ذو طيبة وذو حكمة وذو ابتسامة كما وصفوه.
بداية حياة
المرحوم المدن من مواليد القلعة، كانت دراسته في ابتدائية الحسين بن علي ثم المتوسطة بالقطيف. عمل بعدها في بلدية القطيف، في فروع لها. انتقل للقديح وأم الحمام والجارودية، كما عمل في فرع العوامية أيضاً. واختتم سيرته العملية عام 2005م أميناً للمجلس البلدي مدة قصيرة جداً، قبل أن يطلب التقاعد المبكر، قبل السن النظامي بعامين.
في مسقط رأسه
عاش سنوات حياته الأولى في مسقط رأسه القلعة، ومنذ بدايته ظهرت عليه علامات الشاب المتدين.. “كان حريصاً على رفع الأذان بصوته في مسجد الإمام الجواد، ومسجد االشيخ عبدالحميد الخطي ومسجد الإمام علي في حي البحر”.. هذه الشهادة أدلى بها جاره السابق الحاج علي العوامي، الذي قال ـ أيضاً ـ إن الراحل كان “يقرأ الأدعية، خاصة دعاء كميل في مساجد القلعة”. وأضاف العوامي “كان يقرأ دعاء كميل على ضوء شمعة بكل خشوع وسكون واطمئنان نفس”.
ووصفه العوامي بأنه “رجل مؤمن بكل المعاني فقد عرف الله قبل نفسه، مجلسه مفتوح طوال اليوم لضيوفه لم يغلق بابه ابداً”.
جيرة طيبة
بعد حياة القلعة؛ انتقل إلى الحي المعروف بـ “الدخل المحدود”.. وهناك سجّل سيرة طيبة إضافية، بشهادة بعض جيرانه.. وقالت جارتيه السابقتين الحاجة زينب الأسود والحاجة زهراء المسجن..
تقول الأخيرة “سكن المرحوم في “الدخل المحدود” قرابة 10 سنوات منذ عام ١٤٠٠ في شهر رجب. وكان له ابنتان في ذلك الوقت، و لديه بقالة مواد غذائية، كان يفتحها فترتين العصر والليل”.
تضيف “كان يولي عنايته لكافة الأمور مع زوجته، ولطيبتهما وحنوهما فهما يزوران الكبير والصغير والابتسامة لا تفارق محياه”.
“شحوالك أبو ذكرى”، كانت الكلمة الدائمة التي تقولها السيدتان، “ولم يكن يجيب الا والابتسامة قبله”. وكان “عزيز نفس وكريمَ مال وطيب القلب”، و “لم يحتج إليه أحد إلا ومد يده إليه”.. و “عندما لا يكون لدينا مالٍ كافٍ للشراء كان يقول “لا تديري بال”.. و “الجار للجار”.
بعد الدخل المحدود انتقل للسكن في شقة تتبع منزل والده، قبل أن انتقاله إلى منزله الحالي بالمنطقة الرابعة. وقد استمر في السؤال جيرانه.
صداقة 35 سنة
كصديقين أمضيا 35عاماً من الصحبة؛ تحدث عبدالله آل شهاب.. أمين المجلس البلدي السابق، وزميل الراحل في البلدية.. هذه لم تكن بالمدة القليلة التي تختصر علاقة أخوية، إلا أنها كافية لأن يصفه بأنه “إنسان ملتزم، متدين، محبوب من الجميع، واجتماعي بطبعه”.
معرفته بالمرحوم المدن منذ عام 1404هـ عندما كان وقتها مديراً للشؤون الادارية في بلدية القطيف، ثم نقل مديراً لشؤون الموظفين، ثم رئيساً لفرع البلدية في أم الحمام، حيث مكث قرابة 15سنة، ثم نقل رئيساً لفرع البلدية في العوامية، ثم رئيساً لبلدية القديح، ثم عاد بلدية القطيف مرة أخرى وعين مديراً لشؤون الإدارية والموظفين.
ويصفه آل شهاب “طيلة تلك السنوات التي عمل فيها في كل محطات العمل الوظيفي كان مثالاً للموظف المخلص الملتزم الذي يتقي الله، ويؤدي عمله بأمانه وإخلاص، دون مؤاربه دون مجاملة لمسؤول. كان ودوداً مع الجميع، وترك بصمة طيبة وذكرى طيبه في كل الجهات التي عمل فيها. كان ساعيا في قضاء حوائج المراجعين ومقارباً بين رغباتهم وما يتطلبه النظام”.
أما في شأنه الاجتماعي فقد كانت لدى الراحل المدن ديوانية في كل ليلة “تبدأ في التاسعة والنصف وتختتم في الحادية عشرة والنصف، خلا أيام المناسبات. هي حلقة الوصل الودية بينه وبين كل الناس، رجالات البلد ورجالات الدين والمشايخ والفضلاء والمتقاعدين من قطاع البلديات، ومعظم زملائه. لم تقتصر على أصدقائه وأحبابه، يطيب له تقديم الضيافة بيديه والاستماع للحاضرين بسعة صدره ورحابة قلبه، وسؤاله عن حاجات الناس وتلبيتهم بتقديم الحلول لهم وسعيه الحثيث لذلك”.
شهادات
آل طويلب: مؤمن مخلص في عمله
لم يكن المرحوم “المدن” إلا صديقاً عزيزاً، متمسكاً بإيمانه ومخلصاً في عمله، محبوباً لدى عامة الناس ولدى أهالي بلدة الجارودية بشكل خاص، ذو خلق عالي وابتسامة دائمة، آخر لقائي بله في حسينية السنان في أحد فواتح المؤمنين الذي لم تخل قدمه من الحضور الدائم لها والسؤال المتواصل عن أحوال أقربائه وأصدقائه وكل من تربط به علاقة من قريب أو من بعيد فأعزي نفسي ومحبيه بهذا المصاب.
السيد أحمد آل طويلب – الجارودية
جبر: خير الناس أنفعهم للناس
كان الفقيد -رحمه الله- مصداقا للحديث الشريف (خير الناس أنفعهم للناس)، فقد عهدناه مبادراً لحب الخير و خدمة المجتمع و مخلصاً في القيام بمهام عمله، ولم يتوانى يوماً عن تلبية احتياجات وطلبات الأهالي من أبناء بلدتنا أم الحمام، فضلاً عن دعمه اللامحدود لخدمة مرافق البلدة مثل وقوفه الداعم لبناء مغتسل البلدة و خدماته لتلبية نظافة المقبرة و المغتسل و مشاريع نظافة البلدة و الإنارة و رصف الشوارع و غيرها من الخدمات البلدية التي تمس حاجات البلدة و أبنائها.
حسين جبر، رئيس جمعية أم الحمام الأهلية
في مجلس منزله يتولى خدمة الضيوف بنفسه
(الصور: من عبدالله شهاب)
اقرأ أيضاً