المطاعم الشعبية تخجل من هويتها…!
لو ارتدتَ مطعماً بيروتيّاً لا يُقدّم إلا المناقيش والزعتر والتبولة والحُمّص والمشاوي؛ فإنك لن تقرأ في لوحته ما يشير إلى أنه مطعم “شعبي”. ولن تجد أية كلمة “شعبية” في لوحة مطعم قاهريّ يبيع المسقّعة والكُشري والحمام المحشي. مع أن كلاً من المطعمين يقدم طعام “الشعب” المعتاد، كلٌّ في بلاده.
أما في بلادنا؛ فإن الوضع معكوسٌ تماماً، فمطاعم الوجبات المحلية تُسمّى “شعبية” ليس لصلتها الدلالية بالشعب، بل لشعورنا بنوعٍ من الدونية في نظرتنا إلى طعام البيوت الذي يُمكن أن يتحوّل إلى سلعة تُباع وتُشترى للعامة. من السهولة على أيّ منّا أن يفتح محل فول وقلابة، لكن السهولة لن تكون جاهزة حين يفكّر في فتح مطعم يُقدّم الهريس والجريش والعصيدة..!
إنها وجبات “شعبية” في فهمنا المتنكّر لهوية المطبخ المحلي الغني بعشراتِ الوجبات الموروثة أمّاً عن جدة. وليس في فهمنا من الحماس ما يكفي لجعل مطبخنا المحلي جزءاً من خيارات الكُسالى الباحثين عن الطعام خارج بيوتهم. الشعب المصري لا يفعل مثلنا، ولا الشعب اللبناني يصنع كما نصنع، ولا أيّ من الشعوب العربية لديه عقدة “شعبية”، أو تردُّد في التعبير عن هويته التي يمثل المطبخ جزءاً منا.
ولذلك؛ فإن المطاعم “الشعبية” المنتشرة لدينا ليست “شعبية” في حقيقة ما تقدّم من طعام. هذا ـ بالطبع ـ إذا فهمنا أن الوجبة الشعبية، في بلادنا، متعددة ومتنوعة، ولكلّ إقليم قائمة طعامه الخاصة. وهذا ما جعل “الكبسة” الوجبة الأكثر انتشاراً في المملكة، على الرغم من أنها ليست وجبة شعبية في كلّ المناطق.
ما أودّ الإشارة إليه؛ هو أن التصالح مع موروثنا الغذائي، إذا جاز الوصف، ليس موجوداً على المستوى التجاري الذي تعبّر عنه شعوب عربية أخرى. لدينا حالة استنكاف تحول بيننا وبين نشر هذا الجانب المهم من التراث.