[شعر] سيد أحمد العلوي: أُرْجُوحَةٌ مِنْ تُرَاب

سيد أحمد العلوي

 

إلى أبي وهو يحرثُ الألمَ بمحراثِ الأملِ ويزرعُ أحلامَ الترابِ في الجنائنِ والحُقولِ ،،

 

سَكنتُ عَينيهِ وهو الآنَ يسكُنني

فمَنْ تُراهُ .. أبِي أمْ جَنَّةُ الوَطَنِ ؟

تجعَّدتْ في جَبينِ العُمرِ خُبزتُهُ

فراحَ يخبزُ مِنْ عُمرٍ ويُطعِمنِي

يَمدُّ مِن غيْمِهِ مَاءً وسَوسَنةً

كأنَّهُ يُمطرُ التحْنانَ كالمُزُنِ

تَعرَّقتْ في ثيابِ النخلِ دمعتُهُ

فراحَ يمسَحُها بِالمنْجلِ الخَشنِ

إِذا غَرقتُ ببحْرِ الهَمِّ ذاتَ أسىً

يجِيءُ مِنْ ضَجّةِ الأمْواجِ كالسُّـفُنِ

يَجيءُ مُتـَّـشحاً بالضوءِ يشعلُ في

قلبي شمُوساً وفي الأنوارِ يُغرقني

يَجيءُ وَجهاً سَماويّاً كهُدْهُدَةٍ

جاءتْ بِريشةِ أنباءٍ مِنَ اليَمَنِ

مُعَلَّقٌ كالقنادِيلِ التي اتَّــقدتْ

تُضيءُ ما اظلمّ مِنْ إشراقةِ الزمنِ

وجهِي احتمالٌ وحيدٌ يَا أبي ولهُ

حزنٌ قديمٌ، فمنْ في الحزنِ يسمَعني

أنا وأنتَ وهذا القلبُ ثالثنَا

نشيرُ للحبِّ في سرٍّ وفي عَــلنِ

أنا الرَّماديُّ لا لونٌ يطهِّرني

إلا ضياؤكَ بالأطيافِ يغسِلني

حتى إذا اغتسلتْ بالحبِّ أوردتي

تصبّب الوردُ في سِدْري وفي كَـفني

أنتَ الزجاجةُ و المشكاةُ نورسةٌ

طارتْ بقلبٍ حزينٍ خارجَ الحَزَنِ

هل تسمعُ الآنَ تصفيقَ القلوبِ و هل

تُصغي لرجْعِ الصَّدى ترنيمةُ الأذُنِ

كنتُ انتظرتُك أن تأتي عَلى رِئتي

لحناً شفيفاً ، فهذا العُمرُ يشهَــقني

وكنتُ أيْضاً ألمُّ الحزنَ في شفتِي

لعلَّ ثغرَكَ عندَ (اللهِ) ينطِقُـني

ها جئتَ تمنحُ ثغرَ الكونِ بسمَتَهُ

وتُسْعِفُ الدمعَ أن يسمُو عَلى المِحَنِ

وجئتَ تبعثُ جذعَ النخلِ في ملأٍ

كي يسْتطيلوا معَ العُنقودِ و الفَنَنِ

يا ضحكةَ النهرِ للأشجارِ موسَقَها

” لحنُ النهاوند ِ” كي نطفو على الشجنِ

الرِّيحُ تحملُ ما عيناكَ تذرِفُهُ

مِنَ الكلامِ فهلْ فيهَا سِوَى الوَسنِ

تمرُّ فوقَ أديـمِ الأرضِ خُطوتُه

تشجِّرُ الرَّملَ تحميها مِنَ الدَّرَنِ

أنَا المدينةُ فادخلْ بابَ ساحتِها

يا ظلَّ أرْجُوحتي يَا سَيدَ المُدُنِ

قصيدتانِ وطِفلٌ حَالمٌ وأبٌ

بكلِّ قافِيةٍ يمحُو ويكتُبنِي

وينقشُ الحُلمَ في جلدِي كَسوْسنةٍ

ببردَةِ العِطرِ تحناناً يُظلِّلُني

فرشتَ نهرَكَ يا مَنْ زرتُ ضفَّـتَه

عاماً فعاماً ، كأنَّ المَاءَ يعرِفُـني

مَا قلتُ (أفٍ) لسَاني سالَ أودِيةً

مِنَ الجَلالِ ، وهذي سُنَّـةُ السُّـننِ

الطينُ مَا شكَّــلتهُ الرّيحُ إنَّ له

أباً يقولُ لهُ : يا طينُ فلتكنِ !

وراءَ ظِلكَ يمشي ظِلُّ راحِلتي

كأنَّهُ عُقدةٌ في حبلِ مُقترنِ

يقتادُ أشرعتي موجُ الظلامِ و كمْ

أشرتَ للبحرِ أن يحنو وينقِذُني

وحينَ فـتَّـشتُ عن خيطٍ ألوذُ بِهِ

وجدتُـكَ الروحَ قد عادتْ إلى بَدَنِي

أنتَ الجهاتُ و هذا الحبُّ بوصلة ٌ

تُفضي إلى وطنٍ في داخلِ الوطنِ

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×