جولات الحسيني.. وإرث 94 عاماً

حبيب محمود

من الواضح أن رئيس البلدية الجديد يبلى بلاءً حسناً في جولاته الاستطلاعية في القطيف. تلك مهمةٌ بَدَهيةٌ لأي مسؤول يُريد أن يعرف ماذا يقع تحت يده من مسؤوليات، من الواقع الميدانيّ، ومن مشاهدة العين المباشرة، ومن إصغاء الأذن لما يقوله الناس دون واسطةٍ..!

وكلُّ رئيس بلدية جاء إلى القطيف فعل ما يفعله المهندس محمد الحسنيّ الآن. خرج إلى المواقع، مشى في الأسواق، شاهد المشاريع، أصغى إلى الناس، ثم عاد إلى مكتبه ووضع أجندة لأولوياته، ورتّبها بمشاركة مساعديه وقيادات جهازه، في ضوء الصلاحيات والأنظمة وإطار العمل البلدي المفهوم.

والرئيس الحسيني، القادم من أمانة حفر الباطن، هو الرئيس الثامن عشر لجهاز بلدية القطيف. وهو وارث إنجازات 94 عاماً لثاني مؤسسة بلدية على مستوى المملكة. ووارث ـ أيضاً ـ تراكمات المدة نفسها من الإشكاليات والمتاعب، منذ أول خطوة شرع فيها خالد الفرج إلى آخر تذييل وضعه المهندس زياد مغربل.

وعلى امتداد كلّ هذا التاريخ الطويل؛ قدّمت البلدية الكثير للقطيف، أرضاً وإنساناً.

وبالمقابل؛ أنتجت أخطاءً، وأخفقت في جوانب.

وبالمحصلة؛ حرست البلدية وشاركت في تنفيذ دورها من سياسة الدولة التنموية في المحافظة.

وبالمحصّلة ـ أيضاً ـ وجدت مرحّبين بإجراءاتها ومشاريعها، كما وجدت غاضبين ومتذمرين.

وطالما أنك تعمل في خدمة الناس؛ فلا تتوقع أن يرضى عنك كل الناس، أو يغضب عليك كل الناس.

وغاية ما يُدرَك، في الخدمة العامة، هو الإنصات إلى الناس أكثر، وإشعارهم بأنهم يستحقون الأفضل، وأن تعمل على ذلك، وأن يروا أنك تعمل على ذلك.

(2)

من مثال بسيطٍ حدث قبل أيام في بلدة البحاري؛ أستطيع أن أستشعر أن الرجل قادرٌ على الإصغاء، وقادرٌ ـ أيضاً ـ على السعي إلى الإرضاء. سكان البحاري متعَبون بطريق أحد، وكلّ ما كانوا يحتاجونه هو خطٌّ مُشاة يعبرون منه بسلام. وحين أصغى الحسيني إلى الناس؛ اتخذ قراره، وصنع الحل البسيط جداً الذي كان الناس يطالبون به..!

هو مثالٌ بسيطٌ كما ذكرتُ. لكنّ جعل هذا المثال ـ البسيط ـ عينةً لرؤية جديدة ومستمرّة؛ سوف يضع الناس والبلدية في الموقعين المتقابلين المتفاعلين.

(3)

حسناً؛ لننتبه إلى أن الذاكرة الشعبية في القطيف كانت تسمّي البلدية “البلا و الأديّة”. كان هذا في بدايات تمركز هذا الجهاز من مشاريع البنية التحتية والرقابة وضبط التنمية. الناس اعتادوا العفوية والتلقائية، ولنقل اعتادوا الفوضى أيضاً. وحين جاءت البلدية أخذت تنظم الطرق، وتضبط البناء، وتُصدر التراخيص، وتمنع المخالفات، بل وتلاحق المخالفين. وهذا لم يكن معتاداً من الناس؛ فظنّوا بها الظنون، وتذمّروا من بعض إجراءاتها، وانتشر بينهم “البلا و الأديّة” اسماً للبلدية..!

واستطراداً؛ بعضنا يتذكر قصة الملا علي الرمضان، رحمه الله، في تصادمه مع البلدية بسبب ترخيص بناء، ووصل تصادمه إلى حدّ هجاء البلدية بالشعر. كان ذلك في خمسينيات القرن الماضي. وقد بلغ من غيظ الملا الرمضان أن هجا البلدية والمجلس البلدي معها، في بيت من الشعر يتذكره أدباء القطيف:

فذي البلدية، لا بُوركَتْ

وخاب المديرُ وضلّ النفَرْ

(4)

يمكننا أن نفهم أن المشكِل بين البلدية والناس؛ يتركز في ضبابية المنطقة التي يلتقي فيها الطرفان. البلدية جهاز أوجدته الدولة لخدمة الناس. لكن الناس لا يرون ذلك تماماً. بل تشوش الرؤية أخطاءُ هنا، وإخفاقٌ هناك. الناس لن يشعروا بأن البلدية تخدم صحة بيئتهم إلا حين يغيب عمّال النظافة عن نفاياتهم. ولن يفهموا تأخر السماح ببناء الدور الثالث إلا من زاوية حاجتهم إلى إسكان أبنائهم، وهي حاجةٌ عظيمة، خاصة في مثل محافظة القطيف.

ومن هذه المفردات، ومن غيرها، تتضخمُ ملفّاتٌ ينتظر الناس حلحلتها وتحوّلها إلى خدمات وتسهيلات.

والمهندس الحسيني لم يأتِ حاملاً عصا ساحرٍ، لكنه ـ من موقعه القيادي ـ قادرٌ على أن يعرف منه الناس ما الذي يسعى إليه في شؤون احتياجاتهم ومشكلاتهم ذات الصلة بجهازه.

(5)

الجولات الميدانية مصدرٌ خصبٌ للأفكار النابعة من حاجات الناس، ومواءمتها والأنظمة المرعية، وابتكار الآليات المفيدة. وهذا كله يصنع شراكةً بين الجهاز الحكومي الذي سخّرته الدولة لخدمة الناس وبين الناس أنفسهم. وهذا بعض ما أرادت منه الآية الكريمة {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

(الصور: من صفحة البلدية، فيس بوك)

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×