علاقة النقد بـ”الإبداع”.. تحت مجهر أولى جلسات ملتقى سدرة الثقافي قصة تفاحة نيوتن ولغة النص و"السيميائي" تظهر في نقاشات المثقفين

القطيف: صُبرة

تداخلت تعريفات النقد الأدبي ومدارسه الفنية المختلفة، في فعاليات أولى الجلسات الحوارية لملتقى “سدرة الثقافي”، التي عُقدت مساء أمس الأول الجمعة في القطيف.

وتناوب ضيوف الجلسة، على تبيان ماهية النقد وأدواته، ودوره في إظهار جماليات النص الأدبي بمختلف أشكاله، وأشاروا إلى أن  النقد عبارة عن مجموعة من الأفعال أو الخطوات، ضمن نظام محدد، تُنفذ على معطيات محددة، للوصول إلى منتج يمكن الانتفاع منه. وحرص الحضور على مناقشة ماهية الإبداع والنقد، وترابطهما جنباً إلى جنب.

وضمت قائمة ضيوف الجلسة، التي أقيمت مساء أمس الأول، بحي الناصرة، كلاً من المسرحي عباس الحايك،  والصحافي حبيب محمود، والناقد محمد الحميدي، والقاص السيد يوسف الشرفا، وقدمها  النحات السيد هاشم العلوي.

الخطاب النقدي

وأشار “الحايك”، في ورقته النقدية عن المسرح، بعنوان “النقد المسرحي بين الأدبي والفني”، إلى تعريف للنقد، لجميل حمداوي، بأنه “عملية وصفية، تبدأ بعد عملية الإبداع مباشرة، وتستهدف قراءة الأثر الأدبي ومقاربته، وقصد تبيان مواطن الجودة والرداءة”، لافتًا إلى أن “الخطاب النقدي، هو كتابة موازية للخطاب المسرحي، أو خطاب حول خطاب “كما يعبر رولان بارت”.

وتناول مفهوم النقد المسرحي، واختلاف القراءات النقدية للنص المسرحي، بين “من انحاز للنص المسرحي منطلقًا من النقد الأدبي الكلاسيكي، وبين من انحاز للعرض المسرحي بعناصره البصرية”، غافلاً عن النص، منوهًا إلى أن النقد المتكامل، الموازن، هو الذي يقرأ العرض المسرحي من عناصره الثلاثة، أولاً اللساني، ويعني النص المسرحي بكافة أنواعه، إن كان نصًا أصيلاً أو معدًا للقراءة أو معدًا عن رواية أو قصيدة أو ديوانا شعريا”، مؤكدًا أن “الناقد لابد أن يدرك نوع النص، الذي هو بصدد نقده”.

وتابع: ثانيًا السيميائي، وهو كل ما تبصره عين المتفرج على الخشبة، وتشمل الديكور، والإضاءة وحركة الممثلين، والعناصر المشهدية، وقال: “وعليه لا بد على الناقد أن يلم بهذا العنصر، ويقرأ العرض من خلاله، ثالثًا الصوتي، ويعني الإلقاء وفصاحة الممثلين والأداءات الجماعية والموسيقى، والمؤثرات الموسيقية والصوتية”. وأكد أن هذه العناصر الثلاثة، لو ألم بها الناقد، بالضرورة سيكتمل نصه النقدي، ويقدم خطابًا نقديًا وازنًا، دون الانحياز لأي عنصر على حساب العناصر الأخرى.

أين يكمن الإبداع؟

ويرى الناقد محمد الحميدي، في ورقته، بعنوان “لنتخيل”، بصفته سؤالاً والإبداع بصفته جوابًا، أن الناقد والمبدع، ثمة صورة يتناوبان عليها، يرسم المبدع الصورة في فضائه الخاص، مستمدًا مادتها من حياته، أو مخيلته، أو الأحداث التي مرت على ذهنه، أو التقطها بحاسة من حواسه، أو ربما عبر خياله الخصب، والناقد الذي يمارس عمله في مراقبة الصورة وقراءتها واكتشاف مميزاتها وعيوبها وتنبيه المبدع إلى ما غفل عنه أو تجاوزه أو سقط سهواً دون علمه”.

وقال: “الصورة تنطرح أمامنا على شكلين؛ الأول بصفته إجابة على استفسارات العالم، والثاني بصفته سؤالاً على تلك الإجابة التي جاءت، ومن هنا تأتي أهمية النقد للإبداع، فالإجابة اليوم تتحول إلى سؤال غدًا، والسؤال يتحول إلى إجابة بعد غد وهكذا.

وتابع: “أما من هو الذي يطرح السؤال، ومن هو الذي يجيب، فكلاهما قد ولد في لحظة واحدة، ووجدا معًا، وكلاهما واصل السير فيما بعد، وإن اختص المبدع بالخلق الفني أو ببناء الصورة، واختص الناقد بتحليلها والعمل على بيان تفردها وتميزها”.

وأشار إلى أن ثنائية الإجابة والسؤال كان لها دور فاعل في التطور والتقدم الحضاري والثقافي، مثل حادثة تفاحة نيوتن المشهورة والتي لولاها لما افتتحنا عصر الفيزياء، ولظللنا على حالنا ألف سنة أخرى، فسقوط التفاحة لم يكن سوى بداية سؤال، وإجابته كانت قانون الجاذبية، أما إجابة قانون الجاذبية، فكانت سؤال ارتياد الفضاء والوصول إلى القمر”.

وأضاف: “مثل الرومانسية، التي جاءت سؤالاً في البداية على الكلاسيكية، ومن ثم تحول السؤال إلى إجابة فيما بعد، حينما أعقبت الرومانسية الكلاسيكية، واتخذت من الفرد ومشاعره الأساس في التعبير”.

وقال: “هنا انطرح السؤال على الرومانسية المغرقة في الخيالات: أين هو واقع الناس الحقيقي في الفن والأدب؟، الإجابة كانت تأسيس المذهب الواقعي، وانتشاره على حساب الرومانسي في الكثير من الأرجاء.

ودعا: “لنتخيل قليلاً، ماذا كان سيحل بالعالم لولا وجود ثنائية السؤال والإجابة؟”.

للنص لغة ثانية

وبين حبيب محمود، أن “النص له لغته الواقعية، كذلك فإنه يمتلك لغة ثانية، أخرى، قد تصطدم بواقعيته الأولى”. وقال إن “الناقد انشغالاته، تكمن في اللغة الثانية، يستنطق من خلالها النص”، مؤكدًا أن “الناقد لا يقدم حكمًا أو تفسيرًا للنص، بقدر أنه يأتي من زواياه وخفاياه، ليستنطقه، في عملية انكشافية (إن أمكنه ذلك)، ليسقط ثقافته، وخبراته على النص”.

وأشار إلى أن “التقسيمات، التي جاءت في الأدب، كالأدب الإسلامي، العباسي، القومي، والوطني ..، كان معولها البنية الموضوعية”، موضحًا أن “النص يرتكز على بنية الكلمات (الصوت من خلال الوزن والقافية) والصياغة (السياق)، الكلمة والجملة، ودلالتها المكتملة والبنية الثقافية، وبينة الموضوع، حيث أنها تنقسم إلى الأفكار والعاطفة”، مؤكدًا أن “البنية الثقافية، هي الأصعب في ما يمارسه الناقد”.

وأوجز ماهية الناقد في عمله، والتي ترتكز على الإجابة عن السؤال، ماذا يريد أن يقول هذا النص؟، مبينًا أن البحث عن الإجابة، فك اللعبة الظاهرية والضمنية للنص، هل العملية النقدية للناقد، لافتًا إلى أن “الإبداع لا حدود له، والمبدع، يستشرفه أنى وجده، أنى أراده أن يكون، وإن جاء في قلب الواقعية، تصادم المعاني، فإنه قد يروم شيئًا، لم يأت متوافقًا في المعنى الظاهري للنص”. 

النقد التفاضلي

وتطرق الشاعر والنحات السيد هاشم العلوي في ورقته، بعنوان “حول النقد والإبداع” إلى أهمية التفريق بين ما يسميه “النقد الأفقي التفاضلي” و”النقد العمودي الاستشرافي”، موضحًا أن “النقد الأفقي التفاضلي، يتناول الناقد فيه حالة فردية أو منتجًا فرديًا منفصلاً، قصيدة شعرية، لوحة فنية، قصة، رواية، مسرحية أو تصرف سلوكي فردي، ليأتي العمل النقدي منصبًا على عمل واحد، وليس على مجمل النتاج المعرفي لهذا المبدع”.

وقال: “كثيرًا ما يُفصل  العملُ أو النصُ عن السياق الزماني والمكاني للحالة الإبداعية المسيطرة، وفي الغالب، يجيء غير ممنهج، تكثر فيه النظريات والآراء غير الناضجة، وتسيطر عليه الذاتية والمزاجية والذوق، والنتيجة عادة ما تكون انطباعاً ذاتياً استهلاكياً غير موضوعي بصفة عامه، بعيدًا عن قراءة التجربة الكلية للمبدع أو مقارنتها بالسائد، وقياس مدى تقدمها أو تأخرها عن المستوى الأدبي أو الفني المزامن لها”.

وبيّن أن هذه الحالة “كثيرًا ما نراها طاغية في يومنا هذا، كنوع من الترف النقدي، في المهرجانات والمسابقات والدوريات الثقافية والصحف المكتوبة أو الإلكترونية، تثير في كثير من الأحيان الجدل الآني والاتهامات المتبادلة بين الناقد والمبدع أو محبي هذا المبدع، في كونها تجريحا ان كانت لا ترضي صاحب العمل، أو تلميعاً لصورة مبدع في نظر من لا يوافقون الناقد في طرحه”.

وتابع: “النقد العمودي الاستشرافي، نقد بعيد عن الذاتية، موغل في الموضوعية، يرتكز على منهجية متخصصة وواضحة، تقبل التأويل والنقاش، ويكون هدفَه، نقد الحالة المعرفية أو الثقافية العامة المسيطرة زمانيًا ومكانيًا على مجتمع ما، وأن يكون هذا النقد فتحًا جديدًا واستشرافًا لآفاق معرفية أرقى جديدة ومؤسسة، يطمح الناقد للوصول إليها حتى وإن اصطدم هذا الطرح بمدى التوقع أو الفهم العام”.

ولفت أن “مدى التفهم محكوم بمدى أهلية المتلقي أو المجتمع لفكرة التطوير العمودي والتقدمية المعرفية، وتلك حالة كثيراً ما يفتقر إليها المجتمع العربي بسبب عدم الفهم أو “استعجال الفهم” أو الرفض أحيانًا لدور وأهمية النقد الاستشرافي البناء”. وقال: “هذا لا يعني أن الناقد أو هذا الصنف من النقد، لا يرتكز في كثير من الأحيان على حالة إبداعية فردية خاصة، ينطلق منها لنقد المستوى الثقافي العام لهذا الجنس من الفن، وإنما هنا يأخذ الناقد الحالة الإبداعية الفردية لشاعر أو كاتب معين، ناظرًا له من جميع الزوايا، ليست فقط الفنية البحتة، وإنما الجانب النفسي والفكري والاجتماعي، ومدى انعكاس الوضع الفكري أو الأدبي العام الزماني والمكاني على تجربة هذا الفرد، منطلقًا (أي الناقد) في منهجيته من معرفته العميقة بالموروث المعرفي الإنساني لهذا النوع من الفن قديمًا وحديثًا”.

ونوه أن “كثيرًا من النقاد العموديين حين يهمون بنقد الحالة الإبداعية العامة، منطلقين من عمل فردي واحد أو جماعي، يختارون حالة إبداعية متفق عليها مبدئيًا على أنها رائدة ناضجة أو أنها الأبرز، ولا يضيعون جهدهم على المستويات غير الناضجة، والتي هي محط اهتمام النقاد التفاضليين التعليميين، بالتالي يبعدهم عن وصمة الانتقائية أو الشخصانية البحتة”.

وقال: “أما في آرائهم النقدية الاستشرافية، فإننا نجد الغالبية منهم لا يجزمون بما توصلوا إليه من حكم، وإنما نجدهم يتركون الأبواب مواربة، ويكثرون من وضع علامات الاستفهام على حساب وضع النقطة، وأول السطر”.

النقد صناعة

وركز الناقد والقاص السيد يوسف الشرفا، في ورقته النقدية، بعنوان ” العملية النقدية كصناعة”، بأن النقد صناعة، مُعرفًا إياه بكونه “مجموعة من الأفعال أو الخطوات، ضمن نظام محدد، تنفذ على معطيات محددة للوصول إلى نتيجة أو منتج يمكن الانتفاع منهما”.

وأشار إلى المهام المترتبة على من يدير العملية النقدية بمعناها الحرفي الصناعي، وهي: “فهم طبيعة المعطيات وحجمها، والقدرة على انتخاب النظام المتوافق، ومعرفة حدوده، وتحديد مستواه، وضمان التطبيق الأمثل لآلية النظام، وترتيب شبكة الأفعال، والخطوات، بحيث تتفاعل المعطيات بطريقة مقننة للحصول على منتج، الخروج بمنتج يمكن الاستفادة منه بطريقة ما”.

وبين أن العملية النقدية “لا يمكن إنجازها لحظيًا”، مؤكدًا أن “العمليات النقدية، تتطلب معرفة وإدارة ومتابعة؛ وقتًا وجهدًا، ومهارة وتركيزاً”، لافتًا أن “المنتجات النقدية قد تكون رأيًا أو رؤية، تبعًا لطبيعة المعطيات، ومستوى الإدارة”. وقال: “مع التطور المفترض في الصناعة، بعض المعطيات تتطلب إدارة عملياتها النقدية، خلق توليفة من الأنظمة، للوصول بهذه المعطيات إلى نتيجة أو نتائج نقدية يمكن الانتفاع بها”، موضحًا أن “العملية النقدية التى يُرجى منها نتائج أو منتجات نقدية عالية الجوة تتطلب، أحيانًا، اشتراك أكثر من شخص في إدارتها، تبعًا لحجم وطبيعة المعطيات، وسعة النظام أو توليفة الأنظمة المنتخبة”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×