صائمو القصر و “فاطروا البير”…!

القطيف: صُبرة

الصايمين في قصُرْ

امنحنّيينْ أمس العصُر

مرْ عليهم شيخْ نصُرْ

وقال: رحمكم الله.

والفاطرين في بيرْ

امكسّرين تكسرين

مرْ عليهم خنزيرْ

وقال: لعنكم الله..!

هكذا كانت الأهزوجة تتحدث. تضع الصائمين في قصر، وتصفهم في وضع الرفاهية إلى حد اصطباغ أيديهم بالحناء. ويدعى لهم بالرحمة على لسان شيخ يمر بهم ويراهم على حالة الصائمين المنعمين.

أما الممتنعون عن الصوم، فإنهم على حال آخر، إنهم «مكسَّرون»، ومهملون في بئر عميقة، وهؤلاء لا يمر بهم شيخ يدعو لهم؛ لأنهم لم يستجيبوا إلى طاعة الله.

في الموروث الشعبي الكثير من أهازيج التربية والتهذيب. اللغة البسيطة كانت تفعل فعلها في عقول الناشئة. وهي تُكرَّر وتُكرَّر تبعا لمناخ موضوعها. وفي شهر رمضان المبارك، كانت الأمهات تتولى ترديد هذه الأهازيج لتغرس قيما خاصة وترعى أفكارا مهمة.

وبما أن الصوم عبادة مفروضة، فإن الأمهات وجدن ما يجعلن منه امتحانا له مكافأته في ذهنيات الأطفال. إنهم صائمون، ومكافأتهم العيش في قصر. هذا القصر محسوس في الأهزوجة، وفي الكلام عنه إيحاء مثير للخيال. الحياة في قصر تعني مستوى من الرفاهية يحصل عليها «الصائم» الذي صبر على الجوع والعطش والحر والتعب. ومقابل هذه الرفاهية، هناك العذاب الذي يحصل عليه العصاة الذين لا يصومون. عذاب العصاة هو رميهم في بئر، وهم «مكسرون تكسيرا».

في الذهنية التربوية القديمة، كان هذا الكلام مؤثرا. ومن المؤكد أنه لم يعد صالحا لتربية أبنائنا اليوم. التربية الحديثة لها رأي آخر في استخدام اللغة. التفكير التربوي المعاصر يميل إلى ليونة الكلام، واستخدام التعبير الإيجابي بدلا عن التعبير السلبي.

وهذا يعني أن ما كان يصلح في مجتمع أسلافنا قد لا يكون صالحا في مجتمع أبنائنا، والأهزوجة القديمة باتت من التراث الذي نفهم ونتفهم ظروفه، لكنه – في كل الأحوال – ليس وسيلة من وسائل عيشنا اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×