تناقص “العامْلَهْ” يُضيف تهديداً جديداً لمستقبل النخلة في القطيف 50 "شاغولاً" لرعاية 286 ألف نخلة.. والمهنة بلا جيل جديد

فيديو وثائقي لـ "صُبرة" يرصد أعمال "الترويس"

القطيف: فيصل هجول
تصوير: فتحي عاشور

تهديدٌ جدّي مُتزايد تواجهه النخلة في محافظة القطيف. التهديد مُترتّب على أزمة التناقص السنوي في أعداد “العَاْمْلَهْ” التي تعني “الأيدي العاملة” من محترفي رعاية النخلة المحليين الذين ورثوا مهارات أعمال الترويس والتنبيت والتحدير والخَراف والصرام، عن أسلافهم، ويمارسونها سنويّاً، مؤمّنين خدمةً مطلوبةً وذات أهمية بالغة.

50 فقط

وطبقاً لتقديرات بعض “الشواغيل” العاملين في هذا المجال؛ فإن محافظة القطيف، كلها، تكاد لا تلوي إلا على 50 “شاغولاً” في الوقت الحالي. وهذا العدد ضئيل جدّاً، إذا قيس بأعداد النخيل الموجودة في المحافظة. إذ قدرت الهيئة العامة للإحصاء أن في القطيف 286395 عام 2014. وخلال السنوات الأخيرة؛ ظهرت بعض الحلول، بإدخال العمالة الأجنبية في أعمال رعاية النخيل، لكنّ هذا الحل ولّد مشكلات كثيرة، فيما يخصّ جودة العمل، وانعكست هذه المشكلات على رداءة في الإنتاج، بل وصل بعضها إلى تكسير عذوق، وظهور الشيص، وخسارة ثمار.

هذا التحقيق؛ يُناقش المشكلة التي تجدّدت هذه الأيام، مع بدء موسم “الترويس”.

درويش: بعد 10 سنوات لن تجد “شاغولاً” واحداً من أبناء البلد

بعد غياب

يبدأ موسم “الترويس” فعلياً في القطيف بعد نهاية “المربعانية”. و “الترويس” هو أعمال تجهيز النخلة للموسم الجديد. تقطيع زوائد الموسم الماضي، من أجزاء العراجين الزائدة، والليف الزائد. تكاد تكون أعمال تجهيز عروس للزفاف. قبل “الترويس” تكون النخلة قد أمضت ثلاثة أشهر بلا أي تدخل. آخر ضربة عظم ” لِكرّ فلاح” على جذع النخلة نُفّ1ت في “موسم الصرام”. وبعدها يترك الفلاح نخلته.

الآن ومع بدء “موسم الترويس” يعود الفلاح إلى صُحبة نخلته التي تمتد تسعة أشهر ابتداءً من الترويس وتباعاً بالمواسم الأربعة الأخرى ” التنبيت، التحدير، الخراف، الصرام”. كل هذه المواسم هي منافع مشتركة للنخلة والفلاح، الفلاح يُقدم الرعاية والاهتمام والنخلة ترد الجميل بتقديمها ثمرها رِطباً وتمرا.

ماضٍ وحاضر

مالك البستان هو عادةً من يقوم بتلك الرعاية بنفسه، إلا أنه وفي ظروف مختلفة لا يتمكن من ذلك، فيستدعي الأمر أن الاستعانة بفريق من الفلاحين المحترفين لتقديم تلك الخدمات مقابل أجر مالي. سالفاً كان هنالك الكثير من الفِرّق المحترفة يُعرفون بـ “العاملة” أو “الشواغيل” في أغلب قرى القطيف، وكان لكل فريق “رئيس عاملة”، وهو أساس التواصل والتنظيم مع طالبي الخدمات. صاحب البستان يُعلم الرئيس بعدد نخيل بستانه، وبدوره يحدد الرئيس عدد الأشخاص من الفريق للقيام بالمهمة وعدد الأيام التي يحتاجونها للعمل، ويحدد الأجر وما إلى ذلك. فلم تكن من مشكلة ملموسة في سير دورة العناية بالعمة على شكلها الطبيعي. أما اليوم فالوضع أصبح أكثر اختلافا وأكثر تعقيداً للنخلة وفلاحها.

مردود أقل

عبد الله آل طلاق من أبناء قرية القديح يملك بستاناً في واحة أبو معن يحوي قرابة 300 نخلة. وحسب قوله؛ فقد اعتاد التعامل مع “عاملة القديح” وعددهم 6 “شواغيل” وهم: إبراهيم درويش، عبد الرسول طلاق، محمد الخويلدي، حسين الصبيخي، حسين كريكيش، ورئيسهم محمد الشويكي.

ويوضح طلاق أن الثلاثمائة نخلة تُكلفه ما لا يقل عن 7000 ريال سنوياً، بينما مردودها في كثير من الأحيان لا يتجاوز تكلفتها. وعن السبب في مواصلة عنايته بالنخلة رغم هذه التكلفة، يُجيب أن العناية من باب الإكرام للعمة فيقول ” اذا ما اعتيننا بها من بيعتني بها! اتظل امْهَمّلة تعور قلبي، ماقدر اخليها”. وعن تفاصيل التكلفة المالية فإن آل طلاق يُعطي أجراً “للعاملة” 250 ريال لكل فرد عن كل يوم عمل أثناء موسم الترويس و300 ريال لكل فرد عن كل يوم عمل في موسم التحدير، إضافةً لتوفير المؤونة من طعام وشراب. ويبدأ “العاملة” عملهم مع شروق الشمس وحتى تسليمها، تتخللها فترات راحة بسيطة للصلاة أو لتناول وجبة الفطور أو الغداء.

آل طلاق: قلبي يعوّرْني لو ما أعتني بالنخله.. وما أقبل شغل الأجانب

عمالة أجنبية

هذه الأعمال يقوم بها الفلّاحون المحليون، بوصفها مهنةً وإرثاً. لكن السنوات الأخيرة؛ شهدت دخول العمالة الأجنبية وممارستها. وأخذ دور “العاملة” خصوصاً مع التراجع الحاد للعاملة من أهل البلد. ويقول آل طلاق إن الفرق كبير في الجودة ولا مقارنة تُذكر بين عمل الأجنبي وعمل أبن البلد، فكفة ابن البلد راجحة في جميع الأحوال من ناحية الإخلاص والتكلفة والإتقان، ويوضح أنه من غير الممكن أن يتعاقد مع أجنبي للعمل في بستانه نظير ما يراه من سوء منظر للنخيل التي نفذ العامل عليها دوراً من أدوار العناية سواءً كان “ترويس” أو “تحدير”.

تكلفة “العاملة” والعمالة..!

الفرق في تكلفة العمالة واضح أيضاً. فالعامل الأجنبي له طريقة أجر مغايرة عن طريقة ” العاملة”. أفراد العاملة يأخذون أجرهم عن يوم عمل كامل، بينما الأجنبي يحدد أجره مقابل كل نخلة. ويُراوح سعر العمل على النخلة الواحدة بين 20 و 25 ريالاً. وفي حال طبقنا هذا الأجر على بستان آل طلاق فإن كُلفة “ترويس” 300 نخلة هي 6.000 ريال. هذا إذا أخذنا بالحد الأدنى لأجر العمالة، بينما كانت كُلفة “ترويس” 300 نخلة على يد “عاملة” اهل البلد 2500 ريال بإجمالي يومي عمل لعدد خمسة أشخاص، أي أن طلاق وفر مبلغ 3500 ريال وأكرم نخيله أفضل إكرام واتقن عمل.

انقراض العامْله

إبراهيم درويش لديه توقع متشائم حول مستقبل “العاملة” المحلية.. يقول: “أكثر من يعملون في هذا العمل في كامل نطاق محافظة القطيف لا يتجاوزون بالمبالغة 50 شخصاً. ويشير إلى أن أغلبهم كبار في السن، ما يعني أنه وبحكم عامل السن في كل سنة يتناقص العدد ولا وجوه جديدة تنضم إلى هذا الميدان. يضيف درويش أن أكبر فرق “عاملة” من ناحية عدد الأعضاء هو فريق التوبي الذي يصل إلى 15 عضواً، إلا أنه هو الآخر بدأ يتراجع في العدد. ويرى درويش أن العمالة الأجنبية سحبت البساط منهم وهذا مؤشر مظلم لمستقبل النخلة التي لن تتلقى الرعاية الكاملة على يد أبناءها في المستقبل. ويتمنى درويش لو أن أحداً من صغار السن يطلب منه تعلم المهنة. ويوضح بأنه على أتم الاستعداد لتعليمه من الألف إلى الياء.

كريكيش هو الآخر يوافق درويش الرأي ويقول إن العمل ليس بتلك الصعوبة التي يتصورها البعض، وأول درس يجب أن يتعلمه من يرغب هو الطريقة الصحيحة للصعود والنزول من النخلة.

وختاماً نستطيع القول ومن خلال الشهادات والمشاهدات إن النخلة لم تلقّ دلالاً كالذي تتلقاه من “العاملة”، ويبدو أن هذا الدلال آخذٌ في التراجع، مع تراجع أعداد العاملين في هذه المهنة الحيوية.

شاهد الفيديو

مقطع وثائقي لأعمال الترويس”، تمّ تسجيله في شهر فبراير من العام الماضي، بواسطة “صُبرة”.

 

 

كفوف الشواغيل

حسين كريكيش يملك كما غيره من الزملاء كفين تعطيان دلالة على مهنة صاحبها، لا يمكن لأحد أن يمتلك مثل هذه الكفوف إلا ان يكون “شاغول”، “فالمنجل” لا يفارق يديه إلا بعد أن ينهي تنظيف ما يقارب 30 نخلة خلال يوم عمل واحد، ويستغرق الحاج حسين 10 إلى 15 دقيقة على ظهر كل نخلة لينجز مهمة “ترويسها”، وبذلك يكون صافي الوقت الذي يقضيه على ظهر النخيل 5 ساعات على الأقل في اليوم. ذات الكفوف أعطت إيحاء للمهندس في وزارة الزراعة بأن كريكيش لا يحتاج المقابلة والاختبار ليُعطى الوظيفة التي قدم عليها في وزارة الزراعة. كريكيش الموظف لا يعتبر من ضمن التشكيلة الأساسية لفريق “عاملة القديح” لحكم ظروف عمله الذي لا يمكنه من الالتحاق غالباً بالفريق خلال أيام الأسبوع؛ فإنه لا يعمل إلا يومي الجمعة والسبت، هو وحسين صبيخي، لذلك يعمد رئيس العاملة ترحيل المهام الصعبة لنهاية أيام الأسبوع حيث يكتمل الفريق.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×