دار المسنين في العيد.. لتكن البداية من هنا

عبدالله أبو رشيد

من منا خصّهم بقبلة على الجبين، أو بسؤال دافئ، أو بيدٍ تمسح وحشة الانتظار؟
من منا أدرك أن في كل دار مسنين، قلوبًا تُكبّر وحدها، وعيونًا تلمع في صمت،
تنتظر بابًا يُفتح… وصوتًا مألوفًا يقول: “عيدكم مبارك يا أهل الفضل”.

كبار السن… ليسوا مجرد مرحلة عمرية، إنهم أعمار مكتملة، روايات لا تُقرأ في الكتب، بل تُروَ بالدموع والصبر.
هم أول من فرش لنا الطريق، وربط الأحذية ونحن لا نعرف المشي،
هم من سهِر وقلق، ومنح العمر دون أن ينتظر مقابلًا…
واليوم، يجلسون في الزوايا، أو في دور الرعاية،
ينتظرون أن يتذكرهم من هم قطعة من أرواحهم.

أتعرف من هم كبار السن؟
هم الأعياد إن حضروا… والحسرة إن غابوا.
العيد لا يكتمل بثوبٍ جديد أو ضحكة عابرة،
بل بنظرة حانية نحوهم، بزيارة تسقي جفاف وحدتهم،
بكلمة تجعلهم يشعرون أنهم لا يزالون في قلب الحياة.

وهم أيضًا… شجرة العائلة.
ذلك الجذر العميق، الراسخ، الذي احتمل الرياح والعواصف،
ليكبر الفروع، وتزهر الأوراق، ويأكل الأبناء من ثمر العناء.
من ينسى الجذور، يضيع ولو بدا مثمرًا.
ومن يهجر كبار السن، فقد قطع نفسه من أصله،
ورمى غصنه في مهبّ الريح.

أيها الناس…
هل ضاقت بنا الحياة إلى هذا الحد؟
حتى بات من ربونا لا يجدون منا زيارة في يوم العيد؟
هل بات العيد لحظات سريعة على وسائل التواصل، نرسل فيها التهاني ولا نُرسل أنفسنا؟
إنهم لا يريدون كثيرًا… فقط يريدون أن يشعروا بأن الزمن لم يُبعدنا عنهم،
وأننا ما زلنا نعود إلى الجذر، ونستظل به، لا نهرب منه.

كبار السن… فراشات الوقت التي لا تنتظر طويلاً.
إن لم نُكرمهم اليوم، فغدًا قد نجد مقاعدهم فارغة،
وصورهم مؤطرة على الجدران،
حينها لن ينفع الندم… ولا الكلام.

فليكن هذا العيد بداية جديدة…
بداية عودة صادقة للجذور،
بداية تقدير لمن منحونا الحياة، ثم جلسوا بصمتٍ على الرصيف، ينتظرون لمسة وفاء.

من منا زار دار المسنين؟
ربما لم نفعل…
لكن يُمكننا أن نبدأ من هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×