سيرة طالب 114] محراب التروية: ذكرى محاضرة للشيخ الآصفي
الشيخ علي الفرج
في غضون ثلاثين عامًا مضت، وبينما كنا في رحاب مكة المكرمة، تشرفت بتكليفٍ من حملة الإيمان بأن ألتقي بالشيخ محمد مهدي الآصفي رحمة الله عليه، لإلقاء محاضرة في يوم التروية، أي الثامن من ذي الحجة. كانت لحظة لقاءٍ طبعتها أواصر الودّ، عطّرها الاحترام، وتوّجها التواضع الجمّ.
صرح الشيخ الجليل حينها: سنمضي أولًا إلى حملة التوحيد الخاصة بالإخوة الكويتيين، ألقي هناك كلمة موجزة، ومن ثم نتوجه إلى حملتكم الميمونة.
رددتُ قائلًا: أنا رهن إشارتكم.
انطلقنا معًا نحو شارع سيارات الأجرة، فسأل الشيخ السائق عن وجهتنا، فأجاب بثقة: أعرف حملة التوحيد، تفضلا بالركوب.
وما إن وصلنا حتى تفاجأنا بوجود فندق تعلوه لوحة عظيمة تحمل عبارة “حملة التوحيد”.
نزلنا ودلفنا إلى الداخل، وعند استفسارنا عن الحملة، فوجئنا بسؤال من أصحاب المكان – الذين كانت لحاهم تزدان بكثافة – “لماذا جئتم؟ هل أنتم شيعة؟ هذه حملة التوحيد من الرياض.
وقد كان الموقف محرجًا، فالشيخ يحمل على رأسه عمامة العلماء الشيعة، فخرجنا سريعا كالبرق.
بعد هذا الالتباس، وصلنا إلى حملة الإيمان، وهناك، ألقى الشيخ محاضرة لم أسمع أروع منها قط. ووصفي لها بأنها “الأروع” لا يأتي من فراغ، بل من أمرين جوهريين:
* كان الحجاج في أوج استعدادهم لمناجاة الله، وقد أحرموا، وكانوا على وشك الانطلاق بحافلاتهم نحو عرفة بعد المحاضرة مباشرة، فكانت أرواحهم ظمأى للنفحات الإيمانية.
* امتزجت ذكرى المحاضرة في أذهان الحجاج بأدعيتهم، فكأنما “كهرب” عالم النفس، واندفعت دموع الخشوع بغزارة، بل سال ماء العيون دلالة على شدة التأثر.
لقد استعرض الشيخ الآصفي في محاضرته أربعة مرتكزات أساسية تتعلق بيوم عرفة، مؤكدًا أن الله تعالى حتمًا وقطعا ويقين سيستجيب الدعاء في هذا اليوم المبارك، ولكن بأربعة صور مختلفة:
* الاستجابة المباشرة: أن يستجيب الله دعاءك فورًا.
* الاستجابة المؤجلة: أن يستجيب الله دعاءك ولكن يؤخره لحكمة ومصلحة يعلمها سبحانه.
* الاستبدال بمكافأة أخرى: أن يستجيب الله دعاءك ولكن يبدله بمكافأة أخرى خير لك، لمصلحة يراها الله.
* الادخار ليوم القيامة: أن يستجيب الله دعاءك ويدخره لك كأجر عظيم ليوم القيامة.
