سيرة طالب 109] ليلة القدر خير من ألف شهر

الشيخ علي الفرج

اعتدنا في ليالي القدر المحتملة (١٩ و٢١ و٢3) في شهر رمضان، أن نحيي الليالي الثلاث في مسجد الشيخ إبراهيم العرفات في القديح، وبالخصوص الليلة الثالثة يأتي أهل القديح زرافات إلى المساجد والحسينيات والمجالس، وهذا ليس خاصًا بأهل القديح بل يحييها جميع أهل القطيف لتديّنهم واتصالهم بالله، وهذا همّ الأغلبية الساحقة.

وكثيرًا ما أقول إنّ الطابع العام في المجتمع القطيفي؛ بمجالسهم وشوارعهم هو التديّن، هذا ما يتحسّس الإنسان في المجتمع القطيفي، وكلّما حمد الله وشكره، زاد الله من مننه، ولا ريب أنّ سبب هذا التديّن هم علماؤنا رحم الله من مضى، وأطال الله عمر من بقي.

وقد نقل لي أحد الطلبة أنه سنويًا يذهب للتبليغ في بلدة خاصة من العلويين في تركيا، فالتديّن عندهم محصور بالمسجد فقط لا في غيره، وعندما تخرج في أيّ شارع لا تجد أيّ مظهر من مظاهر التديّن، بل تجد ممارسات مخالفة في وضح النهار، فمثلًا اعتاد بعضهم وجود (الخمر) في كلّ بيت، حتى في بيت شيخ الحارة وهو إمامهم، نعم، هو لا يشرب الخمر المعتّق، ولكن توجد الجرة المربوطة المعتقة في كلّ بيت.

وقد يعلق في ذهنك سؤال محيّر في كلّ ليالي القدر:

ما هو أفضل عمل يتقرّب به إلى الله في هذه الليلة؟

والجواب هو الأمر الواجب الفرضي على كلّ إنسان، وهو التوبة، فإن التائب – ولو لم يقل شيئًا – تحولت خطيئاته إلى حسنات، وقد جاءت للآية الشريفة {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [سورة الفرقان: الآية 70]. فالتوبة قمة العمل الصالح وأعلاه.

وكذلك من الأمور التي لها أهمية عظيمة في تلك الليلة غفران المخاصمة بين المؤمنين، فإذا تخاصم شخصان، سواء كانت تربطهما صلة قرابة أم لا، إلى درجة لا يكلّم أحدهما الآخر، فيذكر المرجع السيد السيستاني أنّ الأحوط ترك الهجر أكثر من أربعة أيام، كما لا يجوز الانتقاص منه والتعريض به.

وتطبيقًا لهذه الحالة ما حدث لصديق أعرفه روى قصته شخصيًا مع بعض أقاربه.

يقول صديقي: حدث  خلاف مالي بيني وبين أحد أقارب، زاعمًا أنّ أجرته 140.000 ريال، بينما نحن حسبنا المبلغ فكان أقلّ، فقد زاد له 50.000 ريال، فقلت له: كيف أعطيك مبلغًا ليس من حقّك؟.

فقال: من حقي المبلغ كاملًا ولا ينقص هللة واحدة.

فقلت له: أقترح بأن نتصالح بحيث لك نصف المبلغ الزائد ولي نصفه، ولا يكون بيننا خصام.

إلّا أنه أصرّ على أن يأخذ المبلغ كاملًا.

فسلّمته المبلغ كاملًا وقلت: ولكني لست راضيًا، وسوف يحاسبك الله.

فأخذ المبلغ كاملًا، وحصل الخلاف والمخاصمة، ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أشهر، جاءت ليالي القدر، ففي الليلة ١٩ من شهر رمضان، قمت بمحاسبة نفسي للمال والديون وغيرهما من المحاسبات، فخطر في بالي، أنّ الشخص المخاصم لن يتواصل معي لا بمكاملة ولا حتى برسالة، فأرسلت إليه رسالة المحو والغفران، وكتبت فيها: إنّي أعترف بكلّ أخطائي في حقّك، فأرجو منك أن تسامحني، وأما حالك فعفوت عنك إن كنت قد أخطأت.

فردّ مباشرة برسالة بدأها بعتاب، فأرسلت إليه قائلًا: ليس وقت العتاب، وأنا أسامحك الآن، فهل تسامحني؟ فقال: نعم، أسامحك.

فكان هذا الحدث هو أبرز ما عند الله في تلك الليلة، بحسب ما نظنّ به عند الله.

انتهت قصة صديقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×