[كاتب وكتاب] إبراهيم الكوني: أحذّر المُبدع من الانخراط في أي “تنظيم”..! الحقيقة لم تكن يومًا وجبة جاهزة.. والنجاح خطيئة في عرف الشعوب

إعداد: هادي رسول

مرة أخرى سنستعيد سيرة الصحراء بمحاورة سارد أسرارها إبراهيم الكوني، الذي يقول: “الصحراء لم تكن يومًا سوى فردوسًا بجدران من عدم !”.

40 يوماً

ـ تشير إلى أن “الاستقرار في أرض أكثر من أربعين يومًا هو غياب للحرية” وتعنون سيرتك الذاتية بعدوس السرى، ما علاقة الإنسان بالمكان في رأيك؟

– علاقة الإنسان بالمكان ذات بُعد وجودي، لأنها طبيعة تسكن بعيدًا في صُلبه.

تورية الإبداع

ـ تقول: ” الإبداع تورية، تغييب للتجربة بقدر ما يبدو الاعتراف تصريحًا”، ما الإبداع تحديدًا في رأيك؟

ـ الإبداع ليس تعبيرًا عن اغتراب ولكنه إرادة اغتراب.

سرد ذاكرة

ـ تستعين في عدوس السرى بالذاكرة و أدوات السرد، لتكتب سيرتك الذاتية، و قد قلت سابقًا: ” الذاكرة مستودع الروح”، ماذا يعني الذهاب للكتابة من خلال الذاكرة؟

– يبدو أن استجواب الذاكرة عراكًا مع سلطان النسيان.

فراشة

ـ المبدع حالة متفردة في النشاط الإنساني، أَ لديك توصيف إبداعي للمبدع؟

ـ المبدع فراشة تتوق للثم لسان اللهب !!

إخفاء

ـ المبدع والمفكر، هل هما حالتان متقابلتان و ملتحمتان؟

– إذا كانت رسالة المفكر أن يُظهر فإن رسالة المبدع أن يُخفي !

لا يعي

ـ أين تكمن قوة المبدع؟

ـ سر قوة أي مبدع ليس في التعبير عما يعي، ولكن في فضح ما لا يعي.

تنظيم

ـ مماذا تحذر المبدع؟

ـ انخراط المبدع في تنظيم مهما كانت هويته هو تنازل مجاني عن إرادة.

تجربة

ـ تقول: ماهي دنيانا إن لم تكن متاهة اغتراب كلُّ منا فيها عدوس سُرى؟ هل التيه ضرورة إنسانية؟

ـ التيه: التجربة المميتة التي ليس على من جربها أن يخشى الموت.

الموت مرّتين

ـ إذن، أنت تفلسف التيه كحالة شبيهة بالموت، لكن ماذا بعد التيه؟

ـ ليس للإنسان أن يموت مرتين مالم يولد مرتين.

أم الأمّهات

ـ فلسفتَ التيه كتجربة مميتة، لكن ماهي فلسفتك للولادة؟

ـ الميلاد ليس أن ننبثق من بطون الأمهات، ولكن أن نعود إلى بطن أم الأمهات. أن نختفي في جوف الطبيعة لكي نولد حقًا في الحقيقة.

حياء العزلة

ـ تقول:” صاحب العُزلة لا يصير صاحب عزلة مالم يحقق التماهي مع الطبيعة، و يغترب عن نفسه ليستعيد حضوره في الكون”، هل من طقوس خاصة للعزلة؟

ـ لا يستحي المعتزل أن يتكلم في عزلته بصوت عال لأنه لا يكلّم نفسه على طريقة المجانين، ولكنه يخاطب آلهة.

إرث أجيال

ـ تقول أيضًا: “المقابر هي الدليل على العراقة”، لماذا المقابر بالتحديد؟

لأن القبر هو أول أثر على حضور الإنسان على الأرض، وما انتشار المقابر اللانهائي سوى البرهان الآخر على تتابع سخي لأجيال ورثت أجيال.

صليب الحرية

ـ “ليس لسجين أن يعوّل على سجينٍ في نيل الحرية”، كيف يمكن للإنسان أن ينال حريته؟

ـ الحرية ليست ملاذًا، ولكنها صليب! الحرية وحدها تجعل من الموت ميلادًا.

لسان الموسيقى

ـ تنحاز رواياتك نحو السرد الفلسفي أكثر من الصياغة الشاعرية، لذا ليس غريبًا أن تفلسف الفن و الموسيقى، تستشهد بقول أفلاطون في الموسيقى حيث يقول: “الموسيقى: حركة الأكوان في اللانهاية و اللابداية”، ما فلسفتك الخاصة للموسيقى؟.

ـ “الموسيقى: لسان ذلك المجهول المنزّه عن استخدام اللسان.”

بعيد

ـ عدوس السرى في تيه دائم، و اغتراب مستمر، و بحث مضني، هل يمكن أن يعثر على ما يبحث عنه؟

ـ ما نبحث عنه بعيدًا هو ما نعثر عليه قريبًا في النهاية.

نهم غيبي

ـ قلت في حوارنا السابق إن القراءة زيارة لمحافل الحكمة، وهي إشارة للوعي في قبال التسلية، لكن كيف ترى القراءة كسلوك؟

ـ القراءة: الجوع إلى الحرف المطبوع، نهم غيبي إلى ما يخفيه الجوف الرهيب الذي نسميه كتابًا، بحث دامٍ عن حل لوسوسة الهباء.

وجبة جاهزة

ـ قلتَ أيضًا في حوارنا السابق: ” سحر الحقيقة في البحث عن الحقيقة، لا في امتلاك الحقيقة “، أين يمكن أن نبحث عن الحقيقة؟

ـ في بطون الكتب تنام الحقيقة، و الويل ثم الويل لمن احترف قراءة الكتب بحثًا عن الحقيقة..!

الحقيقة لم تكن يومًا وجبة جاهزة.

إغواء النار

ـ لستَ شاعرًا بالمعنى التكنيكي الوظيفي ولكن لا يوجد أديب بلا رؤية شاعرية. كيف تصف الرغبة إلى الشعر؟

– التوق إلى الشعر: الخطوة الأولى في طريق الاستسلام لإغواء النار.

كان شعراً

ـ هل من علاقة تكوينية بين الإنسان والشعر؟

ـ الإنسان قبل أن يكون إنسانًا كان شعرًا.

نهاية النهاية

ـ نستطيع أن نقول إن قصة شهرزاد و شهريار، تحيل إلى جذور تاريخية للرواية، ما الذي يمكن استخلاصه بإيجاز من هذا الموروث؟

ـ قول كل شيء إلى النهاية هو النهاية.

أسطورة

ـ وصفت الرغبة إلى الشعر، لكن ما وصفك للرواية؟

– الرواية بطولة من قرر أن يحيا. الرواية مغامرة، ولكنها مغامرة فاتنة. إنها قفّاز التحدي في وجه الموت. إنها الأسطورة الوحيدة التي أثبتت التجربة قدرتها على قهر الموت.

استدراج

ـ تقول: “من العبث البحث عن الحقيقة في السياسة.” إذن أنت لا تثق في السياسة؟

ـ إنها تستدرج بإغواء القناع. إنها تستهوي كما لا يستهوي شيء في الدنيا، لأنها توحي بقدرتها على إحقاق الحقيقة. إحقاق تلك الحقيقة التي لا وجود لها خارج السلطة. إنها الشرك الأعظم في ديانة السواد الإعظم.

النجاح خطيئة

ـ يبدو أن نجاح الإنسان يسبب له بعض الأزمات أحيانًا، ما رأيك؟

– ما يسمى نجاحًا هو الخطيئة التي لا تغتفر في عرف الشعوب.

منطقة وسطى

ـ هناك من يحاول أن يتخذ منطقة وسطى بين الآراء المتباينة، تراه يتبنى الرأي ونقيضه، كيف تقيّم هذه الحالة؟

ـ من يحاول أن يعتنق كل الآراء يكتشف في النهاية أنه لا يعتنق أي رأي.

حقيقة الجمال

ـ تقول: “هيهات أن يعرف الجمال أو يستمتع بالجمال من أعجزه الحُلُم عن رؤية الجمال”، الحُلم تخيلي، لكن للجمال صورة حقيقية، ما تعليقك؟

ـ حقيقة الجمال ليست فيما استظهر ولكن فيما استخفى.

خلوة

ـ تقول: “إن أول قدر في رحلة الأدب هو العزلة “، ما علاقة الأدب بالعزلة؟

ـ الأدب يستقيم بها، يستقيم بالخلوة. الأدب سليل الحلم، و الإبن الشرعي للتأمل.

غموض

ـ ما قيمة الغموض في العمل الأدبي؟

ـ الغموض ليس عمقًا وجوديًا فقط، ليس قوة غيبية فقط، و لكنه إن لم يكن ألوهة فهو الشهادة على الانتماء إلى ملكوت الألوهة..!

محنة

ـ هل من محنة يواجهها الروائيون والأدباء بشكل عام؟

ـ المحنة التي تواجهنا ليست في كيفية التعبير عن الواقع، ولكن في كيفية الإفلات من الواقع.

معيار

ـ ما هو معيار انتخابك لعناوين أعمالك؟

ـالعنوان ليس مجرد اسم يميّز كتاب عن كتاب – أو نص عن نص – و لكنه الخطاب السرّي، و الشفرة الخفية التي توحي بالهوية. إنه نخاع العمل وعموده الفقري. إنه ضمير العمل.

أدب حقيقي

ـ صافحتك أول مرة من خلال رواية كان عنوانها ” نداء ما كان بعيدًا ” هذا النداء الذي يستحضر مفاهيم وجودية عميقة، مثل الأبدية، ما ذا تعني لك الأبدية؟

ـ سأستحضر قول همنجواي: لا نفلح في كتابة أدب حقيقي ما لم نحدّق في الأبدية.

كآبة

ـ يجعل إميل سيوران الكآبة كاحتياج يومي حين يقول: ” امنحوني خبزي اليومي من الكآبة “، ما تعليقك على سيوران؟

ـ الكآبة هي الوطن البديل للوطن.

هدهدة

ـ كثير من الأحلام لا تتحقق، لكن بعضها يهيمن علينا ونقع تحت سطوة تحققها، كيف تقيّم هذه الحالة؟

ـ الحلم الذي نهدهده عميقًا لا يفقد هويّته كحلم فقط، و لكنه يستعير هوّيتنا، يسلبنا هوّيتنا لنتحوّل نحن في قبضته حلما، لننقلب بالتالي في قبضته دمية..!

أيديولوجيا

ـ حظيت مبكرًا ببعثة دراسية في موسكو وتحديدًا في معهد غوركي للآداب، سؤالي ليس عن تجربتك الشخصية، و لكن عن تجربة الابتعاث الدراسي في الخارج، ما المآلات التي يمكن أن تكون نتيجة هذا الفعل المعرفي؟

ـ خريجو بلد ما هم في الواقع رسل ثقافة هذا البلد إلى العالم، فإذا أمكن ترويض قناعاتهم السياسية ليكونوا رسلًا أيديولوجيين أيضًا فذلك كسب لرهان إضافي لم تعوّل عليه الأنظمة الشمولية وحدها، و لكن عوّلت عليه الأنظمة السياسية الساعية إلى الهيمنة الثقافية أيضًا.

ملخص

ـ تقول: ” الظمأ إلى الكتاب ليس خصلة ثقافية وحسب، و لكنه امتياز أخلاقي أيضًا “، لكن هل من عادة سيئة تحب أن تشير إليها في سلوك القراءة؟

ـ الأسوأ من ألّا نقرأ على الإطلاق هو قراءة الملخص.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×