[كاتب وكتاب] علي الديري في “مجازات بها نرى”: الكلمة سلاح الكتابة

إعداد: هادي رسول

هذا حوارٌ لم يتمّ على أرض الواقع، بل صُنِع من كتاب الكاتب. ووُلدت الأسئلة بعد ولادة الإجابات في الكتاب، ونموّها، وانتشارها. هو حوارٌ تمّ في تواصلٍ خاص بين القاريء والكاتب. إنها محاولة لقراءة فكر الكاتب، للتعرف إلى روحه، للتسلل إلى ما يكمن خلف سطور المعنى.

وضيف هذا الأسبوع هو الباحث البحريني علي الديري أيضاً، ولكن عبر كتابه “مجازات بها نرى”..

تفكير مجازي

تطرح عنوانًا على شكل سؤال للكتاب، كيف نفكّر بالمجاز؟ ببدو العنوان لافتاً. بإيجاز هل تخضع عملية التفكير للمجاز فعلًا كما تخضع التعبيرات اللغوية؟

تفكيرنا في المجردات ليس مجردًا بل مجسّدًا، وهذا يعني أنّ تفكيرنا المجرّد تفكير مجازي، وأننا لا يمكن أن نفكّر إلا على نحو مجازي، والمجازات تشكّل أطُرًا نتلقى من خلالها الأشياء و نفهمها، أي أننها نفكّر بالمجازات التي تتيح لنا فهم الأشياء باتّساع يتوفّر على الطلاقة و الأصالة و المرونة.

للتفكيك

إذن المجاز أداة تفكير وتفكيك معًا؟

نعم، المجاز حاستنا في إدراك سر العالم و سر علاقاته و سر روابطه.

رؤية العالم

من يهمه المجاز بالضبط؟ هل يمكن أن يتجاوز البلاغيين وعلماء اللغة؟

المجاز ليس قضية بلاغية جمالية تهم البلاغيين، ونقّاد الشعر فقط، كما أنه ليس قضية كلامية تهم المتكلمين فقط، و هو ليس آلية لغوية تهم علماء اللغة فقط، وهو ليس قضية دلالية تهم علماء الأصول والمنطق فقط، إنه كل ذلك و أكثر، فهو تصوّر للحقيقة و رؤية العالم و علاقة بالوجود، و فهم للغة، و كشف للإنسان، و معرفة بالإله.

شك اليقين

تقول بصيغة الدعاء: إلهي هب لي شكًا أستضيء به من مدلهمات اليقين. هل هي دعوة لمنهجية الشك؟

أن تشك، لأنك تبحث عن الرعشة التي تدفعك إلى أن تحترق بالسؤال، الرعشة التي تجعلك لا تثق بإطلاق محض، الرعشة التي تهز وجودك، الرعشة التي تجعلك تعيش على نحو استشكالي، الرعشة التي تجنّبك أن تكون في آلة.

طرد الشك

ماذا عن الحالة اليقينية في المعرفة؟

اليقين الذي يطرد الشك، يطرد الإنسان بتجريده من إنسانيته.

حاجة إنسانية

هذا يقودنا إلى أن الشك حاجة إنسانية، فما هي الحاجة إلى الشك؟

يمكننا أن نفهم الحاجة إلى الشك بوصفه وعيا بنقص معرفتنا للشك، غياب الشك نقص في معرفتنا، نقص في وعينا لا وعي بنقصنا، لذلك تظل الحاجة إلى الشك قائمة، مادام هناك وعي بالنقص. ويحتاج الإنسان إلى الشك ليختبر ما يظهر فيه.

أوسع

نعود للمجاز وهو محور الكتاب، قلت: إن المجاز تصور للحقيقة و رؤية للعالم و علاقة بالوجود، لعلي أفهم أن المجاز أكثر من كونه حالة إنسانية فردية و لعلك تشير إلى ما هو أوسع بتأثيره في النسق الثقافي؟

المجاز حالة مكثفة تختزل داخلها أنساق ذهنية خفية، لذلك يمكننا عبر تفكيكه كشف الاستراتيجية التي يتحرك من خلالها النسق.

تمايز

أن تفكّر يعني أن تختلف مع شخص آخر يفكّر، له أدواته و حججه المنطقية المختلفة. و هذا سيقود أحيانا إلى خلاف ربما. هل ثمة تباين و تمايز بين التفكير المختلف، و هل هناك تفكير مختلف سلبي أو إيحابي؟

التفكير الأعوج ليس هو التفكير الذي يختلف معي، أو التفكير الذي حججه لا تلتقي مع حججي، و لكنه التفكير الذي يكون اختلافه معي قائمًا على سوء فهم غير مبرر منطقيًا أو لغويًا، أي أن خلافه بسبب وجود خطأ في منطق اختلافه، بسبب ممارسته لاستراتيجية انفعالية أو عاطفية في تبرير منطقه أو بسبب استخدامه للمغالطة المنطقية أو المراوغة اللغوية.

سلاح الكتابة

يتركب المجاز التعبيري من كلمات، هذه الكلمات لها طاقتها المجازية أيضًا، وهذا يدفعنا لسؤالك عن طاقة الكلمة و أثرها و تأثيرها؟

الكلمات جرح في جسد الوجود حين تترك فيه ندبة جرح أثرها لا ينمحي، والكلمة سلاح الكتابة، من هنا فالكتابة جرح واجتراح لوجودنا و وجداننا، الكلمة التي لا تجرح ليست كتابة.

توثيق اللغة

المجاز من التجاوز، والمجاز ركن وثيق في اللغة الشعرية بالجمع بين المتضادات، هل ينسحب ذلك على الحالة الشعورية بتناقضاتها؟

– المجاز هو أعظم أداة اتصال وعبور وجمع بين المتضادات، فهو يجمع أعناق المتنافرات، والحب بحد ذاته في هذه الأعناق المجتمعة.

الأضداد

ما أكثر ما تعوّل عليه في المعرفة؟

الأضداد. المعرفة التي لا أضداد فيها لا يعوّل عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×