“نخيل الشرقية”.. قصورٌ في المادة وأخطاء في التوثيق..! مراجعة لكتاب الدكتور جاسم الأنصاري

مراجعة: حبيب محمود

من الإنصاف وضع جهد *الدكتور جاسم محمد الأنصاري* المبذول في كتابه “*نخيل الشرقية*” في سياقه بين الجهود السبّاقة إلى وضع وعاء معلوماتي للنخيل السعودية إجمالاً، ونخيل المنطقة الشرقية على وجه خاصّ. لقد سبق الدكتور الأنصاري حتى وزارة الزراعة في إصدار توثيق للنخيل بإصداره الطبعة الأولى من كتابه مطلع الألفية، في حين لم تُصدر الوزارة مشروعها الوثائقي “*أصناف التمور المشهورة بالمملكة العربية السعودية*” إلا بعد ذلك بقرابة 10 سنواتٍ…!

إنجاز رائد

هذا السبق يجعلُ من الدكتور جاسم الأنصاري رائداً في المنطقة الشرقية في الحدّ الأدنى، قياساً بالطريقة التي أخرج فيها كتابه، شكلاً ومُحتوىً، وبوسائل استقاء المعلومات من المزارعين، أو عبر وسطاء ميدانيين. فضلاً عن طريقة التبويب، والعرض المصوّر، والتفاصيل التي ساقها في استعراض نخيل المنطقة وأنواعها.

إن تصفح الكتاب الذي صدرت طبعته الثانية في العام الماضي 2016؛ يُشير إلى دوافع تصنيف كتاب عن النخيل، على يد متخصّص في الهندسة الميكانيكية. إنه الوفاء للأرض التي نشأ وتعلم وعاش فيها. هذا الشغف استحال كتاباً وثائقياً جديراً بالتقدير والشكر.

وكما هو جدير بالشكر؛ فإنه جديرٌ، أيضاً، بالمراجعة ومناقشة أوجه القصور. وجدير بتصويب ما ورد في بعضه من أخطاءَ معلوماتية محمولةٍ على حسن الظنّ. نعني الأخطاء الجوهرية، لا أخطاء السهو أو الفرز الفني أو الإخراج أو الطباعة، أمثال الصورة التي وردت في صفحة 72 تحت شرح “الريف الأحسائي”، فهذه الصورة في القطيف. وكذلك سوء الألوان التي شابت عرض بعض أنواع الرطب، كما في صفحة 232 التي أظهرت رطب “العوينات” شديدة الحمرة.

ما يهمّنا هو المعلومات غير الصحيحة من واقع ما ورد في الطبعة الثانية، وهي لا تختلف كثيراً عن أخطاء الطبعة الأولى. إذ يبدو أن هذه الأخطاء مصدرها مُخبرو المؤلف أو مصادرهم.

أولاً: فقر المادة

أورد المؤلف في الكتاب 15 نوعاً من نخيل الأحساء، و 18 نوعاً من نخيل القطيف. وتشترك القطيف مع الأحساء في 11 نوعاً. ما يعني أن نصيب القطيف من الأنواع التي رصدها الكتب هو 29 نوعاً. والأنواع التي تنفرد بها الأحساء 4 فقط.. وفي النهاية يصل جميع أنواع نخيل المنطقة الشرقية إلى 33 نوعاً فحسب..!

وهذا ـ في رأيي ـ يُشير إلى قصور شديد في البحث الميدانيّ ترتّب عليه فقرٌ شديد مماثلٌ في المادة. إن عبدالجبار البكر ـ وهو أحد مصادر المؤلف ـ رصد 76 نوعاً في المنطقة عام 1951م. ما يعني أن 43 من الأنواع الموثقة سابقاً لا أثر لها في كتاب “نخيل الشرقية”، وهو ما يضارع 56.5% من الأنواع الموثقة..!

فهل انقرضت كل هذه الأنواع..؟

واقع الأمر هو أن بعضها محكومٌ عليه بالانقراض. ومن تجربة ميدانية استقصائية خضتُها ومجموعة من المهتمين في سَيحات القطيف، الصيف الفائت؛ عثرنا على 46 من الأنواع التي ذكرها البكر ضمن نخيل القطيف، علاوة على 16 نوعاً غير موثّقة سابقاً. أي ما مجموعه 62 نوعاً في القطيف وحدها. وأخفقنا في العثور على 10 أنواع ذكرها البكر في نخيل القطيف.

إن أنواعاً متوفرة في نخيل القطيف ـ على تفاوت ـ ليست موجودة في الكتاب أصلاً. أمثال: مكتوم، فوفل، لولو، محيجة، بنت بقوص. في حين وثّق الكتاب أنواعاً لا تُؤكل أصلاً أمثال “سلس مدني” الذي سمّاه “سلس مدن”…!

قد ينطبق هذا القصور، أيضاً، على نخيل الأحساء. فهناك أنواعٌ وفيرة غير موجودة في الكتاب، أمثال: زاملي، زنبور.

ثانياً: أخطاء معلومات

علاوةً على قلة رصد الأنواع؛ وقع الدكتور الأنصاري في أخطاء في استعراض بعض الأنواع.. ونجرد ـ هنا ـ الأهم من هذه الأخطاء:

1 ـ سلس مدن

ص: 200

ورد النوع بهذا الاسم، والصواب هو “سلس مدَني”. وقال عن لونه “بنّي محمرّ”، وصورة الثمر الموجودة تُظهر ثمراً أصفر. والصواب هو أن لونه أحمرُ تماماً. وقال إنه ينضجُ في أغسطس، والحقيقة إنه ينضج قبل أغسطس.

2 ـ خضري

ص: 210

ذكر أنه من نخيل القطيف، وهذا غير صحيحٌ بتاتاً. الخضري المعروف في القطيف هو ـ نفسه ـ نوع “الشّيْشي”، وهو أخضرُ. وهناك نوعٌ آخر اسمه “خضراوي”، وهو عراقيٌّ موجودٌ في القطيف، ولونه أصفرُّ مخضرٌّ يختلف عن “الشَّيشي” اختلافاً تاماً. والخضري المذكور في الكتاب نوعٌ موجود في مناطق سعودية كثيرة، لونه أحمر.**

فإذا عُثر في القطيف على “خضري” من هذا النوع فهو مجلوبٌ إليها، وليس من نخيلها. مثله مثل الأنواع المجلوبة في نصف القرن الأخير، أمثال: الشهل، أم رحيم، السكري.. فهذه أنواعٌ لا أحد يزعم بأنها من نخيل القطيف.

3 ـ تكينة

ص: 214

الاسم الصحيح هو “دكيني” بالدال، فإذا وُجد من ينطقها بالتاء؛ فهو ناتج عن تداخل صوتي في نطق الكلمة، حيث تُنطق “ادكيني”؛ فيظهر حرف الدال وكأنه تاء. كما أن تأنيث الاسم هو تسمية للنخلة الواحدة، وليس تسمية للنوع. وهذا استخدام شائع في القطيف. إنهم يقولون: خلاص: خلاصة، غُرّهْ: غرّاية، ماجي: ماجية.. وهكذا. الكلمة الأولى اسم للنوع، والثانية اسم للنخلة الواحدة من النوع نفسه.

والخطأ الكبير في عرض هذا النوع هو أنه ذكر أن لونه “أصفر”، وعرض صورة لثمر أصفر أيضاً. والحقيقة هي أن “الدكيني” من الرطب الأحمر.

4 ـ زاهدي

ص: 222

الزاهدي لم يسجل انتشاراً حقيقياً في القطيف، بشهادة الفلاحين الممارسين. إنه نوعٌ عراقيٌّ صرف، جُلب في القرن الماضي، لكنه لم يُثمر جيداً كما في موطنه الأصل، ولم يرسخ توطينه في القطيف كما هو حال البرحي، الشبيبي، المكتوم، الخضراوي، البريم، الچبچاب، وغيرها.

5 ـ بدرانية

ص: 206

هذا الاسم للنخلة الواحدة. أما اسم النوع فهو “بدراني”. وقد ذكر أنه ينضجُ في أغسطس، والحقيقة هي أنه ينضج في يوليو، ويسبقه في النضج: ماجي، بكيرة، غره، خصبة باب، خصبة حمّام، فيراني.

6 ـ مرزبان

ص: 132

نقل نص ما ذكره عبدالجبار البكر قبل 66 سنة عن أن هذه النخلة أكثر نخيل البحرين انتشاراً. وهذا الواقع لم يعد قائماً في الوقت الراهن.

7 ـ فحّال

ص: 246

عرض المؤلف الفحّال عرضاً معلوماتياً صحيحاً، لكن الصورة الظاهرة هي لنخلة أنثى مثمرة، وذات عذوق متدلية. والفحّال ذكر النخل، وليس له عذوق، ولا يُثمر. نعم هناك بعض الفحّال يُطلعُ ويُظهر بعض العذوق الصغيرة. وهذه حالة شاذة يصفها بعض فلاحي القطيف بـ “فحّال فاسق”. وفي كلّ الأحوال لا تتدلى عذوقه كما هو حال النخلة الأنثى الظاهرة في الصورة.

رأيٌ أخير

ربما نلتمس العذر للدكتور الأنصاري في الطبعة الأولى من “نخيل المنطقة الشرقية”*** التي صدرت عام 1421. وقتها كان الكتاب سبّاقاً في بابه وتبويبه. إن الأعمال الرائدة عادة ما تلحق بها أخطاءٌ كثيرة. ولنا في عالم النخيل العراقي عبدالجبار البكر مثالٌ على ما يقع فيه الرُّواد السبّاقون من أخطاء يتداركها اللاحقون به.

لكن هذا العُذر ينتفي من طبعة الكتاب الثانية لـ “نخيل الشرقية” الصادرة عام 2016. إن الدكتور الأنصاري أبقى على أخطاء الطبعة الأولى، وأجرى بعض التحديثات في الصور والإخراج وبعض التفصيلات. كان أمامه 15 سنة من المراجعة التي يُمكن أن تُثري المادة، وترفع من المستوى الوثائقي الذي تضمنته.

هذا هو رأيي في الكتاب الذي اطلعتُ على طبعته الأولى منذ 2004، وأفدتُ منه مصدراً في إعداد ملفّ صحافي نشرته مجلة “القافلة” تحت عنوان “الشجرة الطيبة”، بمشاركة أحد الزملاء. ثم اطلعتُ على طبعته الثانية أخيراً.

عن الكتاب

  • ـ نخيل الشرقية.
  • ـ د. جاسم محمد الأنصاري.
  • ـ الطبعة الثانية 2016.
  • ـ 287 صفحة من القطع الكبير.
  • ـ مطابع التريكي ـ الدمام.

—— هامش

* ص: 8، 9.

** أصناف التمور المشهورة في المملكة العربية السعودية: 68.

*** الطبعة الأولى من الكتاب عنوانها “نخيل المنطقة الشرقية”، وعنوان الطبعة الثانية “نخيل الشرقية”.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×