[مراجعات: 7] محمد الماجد: باريس ومسارات المصطلح

محمد الماجد

لا تستطيع باريس أن تنتظر أكثر، بدت هادئةً وواثقةً وهي تطل بقوامها الجرماني الفارع مع بداية الجزء الرابع من الوثائقي، أزميرالدا فيكتور هوجو وصلت أخيراً، كان لا بد لأدونيس الذي أنفق أسئلته كلها في سبيل الحفاظ على جسد بيروت صحيحاً ومعافا أن يبحث عن مدينة جديدة وأسئلة جديدة. لم تكن المدينة ذات الستة آلاف سنة لتضيف له شيئاً بعد الآن، وما بين أن يغادرها إلى نيويورك أو باريس حسم أحد أصحابه التونسيين الخيار لصالح الأخيرة. “باريس أعطتني كل ما أطلبه… أنا مدين كثيراً لباريس” هكذا تحدث أدونيس، وهكذا بدت المدينتان في مخيلته وعقله، باريس وبيروت، كتفاً إلى كتف، هما الأكثر اكتمالاً ونضجاً، تأتي بعدهما عربياً وبمسافة لا بأس بها من الريبة والشّك القاهرة ثم دمشق ثم لا شيء سوى “غبار المدن وبؤس التاريخ” كما عنون هو أحد كتبه.

وفي سؤال مبطّن توجّه بيار لأدونيس المتأثر بالغرب ثقافياً، المأخوذ بالنموذج الباريسي، والذي هو في آنٍ واحد، رافض للغرب على المستوى السياسي والاقتصادي، كيف تسنّى له أن يفصل بين المستويين ؟. “أميّز في مستويات الغرب: الغرب الاقتصادي السياسي العسكري والغرب الثقافي.. الغَرب غَربان” هل بدى أدونيس في هذه الجملة الأخيرة ذرائعياً وباحثاً عن الصيغ التبريرية، ومبتعداً بالضرورة عن تحميل الثقافة الغربية أي مسئولية عن كل ذلك العنف الذي يتسم به الغرب في كل ما يتعلق بالسياسة والاقتصاد !،  وأنا أيضاً أسئل استطراداً لنقده العميق لبنى التراث والثقافه العربية في الجزئين الثاني والثالث من البرنامج، كيف وضع هو الشرط الثقافي مقدمة لأي تغيير في المستويين الاجتماعي والسياسي هنا بينما بداً متنصّلاً عن أي مسئولية للثقافة الغربية عن أي تأثير فيهما هناك. وما بين هنا وهناك بالطبع تنتصب نظريات في الاجتماع السياسي لا تنفك تؤكد على العلاقة البنيوية بين المستوى الثقافي بوصفه بنية فوقية – إذا شئت أن أستعير المصطلح الماركسي – وبين المستوى السياسي والاقتصادي بوصفه بنية تحتيه، بتبسيط أكثر: هل يوجد بالفعل هناك خط فاصل ونهائي بين الوعي والواقع، لا أظن أن أدونيس يقول بهذا بالطبع ولكن أيضاً لا يمكن لأي أحد أن لا يلمح هذا المطب في الحوار وأن لا يسأل كيف ولماذا ؟، خاصة وأن أدونيس نفسه خلال ذات الحوار عاد ليؤكد الخوف من أن الأسماء الكبيرة من أمثال سارتر ودولوز وجاك دريدا وغيرهم لم تعد موجودة في الثقافة الفرنسية، وأن أكثر المثقفين أصبحوا موظفين لدى السياسة متمثلة في الدولة، وفي جملة واحدة: الثقافة تتآكل هناك والسياسة مدفوعة بمصالح الشركات الكبرى تبدو وكأنها في طريقها لتدمير كل شئ، على الرغم من تخفّف أدونيس من ثقل هذه النتيجة بقوله ما فحواه أن صعود ماكرون المفاجئ والغير مدعوم من أي حزب تقليدي أو غير تقليدي يمكن أن يقود إلى تحول جذري في المجتمع الفرنسي.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×