[مراجعات: 4] محمد الماجد: جراحُنا نهرٌ من الفضّة.. العِلّيةُ تكادُ تنهار

محمد الماجد

 فضّةً كانت العلاقة بين أدونيس ويوسف الخال. فضّةٌ وجراحها جراحُ فضّة، مشوبةٌ بعروق من النور لطالما زادتها لمعاناً، خلاف هنا حول المكوّن المسيحي في شعر يوسف الخال، وخلاف هناك حول أهميّة اللغة العربية وعلاقتها بالحداثة، الحداثة الغربية تحديداً، وأكثر من ذلك: حول شيخوختها، قدرتها على الحَبل والولادة، صِباها، أطفالها المسمّرين في ملاجىء المجاز والكلام العابر.

ولكن كل هذا يندرج بحسب أدونيس في التفصيل بينما تبقى العناوين العامّة للحداثة هي الأرض الصلبة التي يقف عليها كلا الشاعرين. شاعران بجناحين من اللبلاب وبساقين أدقّ من ساقي النحاس يخوضان في نهر الحداثة معاً، النهر اليوم، والبحر غداً، ثم المحيط الكوني الذي لا نهاية لزرقته.

ما الذي كدّر صفوَ النهر إذن..؟

خاضا النهر معاً، هذا صحيح، علّقا البحر من يديه إلى حبل من الغيوم، هذا صحيح، والصحيح أيضاً، أن أحدهما أو كليهما ترجل عن قطار الماء الطويل هذا، تركا البحر ذاهلاً وعند عتبة المحيط، وربما قبل ذلك، حاول كل واحد منهما أن يبتكر محيطه الخاص.

سأستعير دور المحاور بيار أبي صعب في الجزء الثالث من الوثائقي لأسأل: كيف لمجلة (شعر) التي لم يتجاوز عمرها سبع سنوات، وهو عمر قصير نسبياً مقارنة بحفيدتها (مواقف) التي امتد عمرها لأكثر من 25 سنة، وأقل بكثير من عمر غريمتهما مجلة (الآداب) التي كفلَت لها الرعاية المؤسسية أسلاف وورثة يحملون تركتها إلى حدود الألفية، لن أتحدث عن هذه ولا تلك، أنا هنا اتساءل فقط عن (شعر) وكيف انفرط عقدها بهذه السرعة..؟ أسأل سؤالاً جدلياً وليس شكلانياً بالتأكيد.

الآن وعندما أقلِّب في الأسماء التي انضمت إلى جماعة شعر في الفترة اللاحقة لفترة التأسيس مباشرة: انسي الحاج، شوقي أبي شقرا، فؤاد رفقا، بالإضافة الى المؤسِّسَين يوسف الخال وأدونيس، ربما استغرابي لن يعود كما بدا للوهلة الأولى، يوسف الخال يتخذ موقفاً حاداً من اللغة وينحاز له كل أفراد المجموعة، عدا أدونيس الذي بدا وكأنه يسير عن يمين المشروع وليس عن يساره، انسي بالـتأكيد أيّد الخال في رؤيته لضرورة وجود المكوّن المسيحي في صلب اللغة، وربما الديني بشكل عام بوصفه تجربه روحانية ذاتية. هكذا تخيّلت، وإذا كنت أريد لعجلة خيالي أن تندفع أكثر فسأقول: لا يمكن للأنبياء أن يجتمعوا في بيت واحد حتى وإن كان معبداً، إما أن يأتوا على فترات من السنين أو يتفرقوا في الجهات فالمعبد لن يتسع لصلواتهم العالية وربما اختلطت أصواتهم على الأتباع.

ولنسأل أسئلةً أكثر سهولة: لماذ استمرت (مواقف) في المقابل زهاء ربع قرن..؟ من كان يقودها إلى جانب أدونيس..؟، الجواب لا أحد في وزن تلك القامات التي كانت ترافقه في (شعر)..! فالكثرة مؤذية في ظني. ألم يقل انسي الحاج: ليكن فيَّ جميع الشعراء فالوديعة أكبر من يدي، كانت تلك وديعته الخاصة به، ولا أدري ما إذا كان أحد من الشعراء جاهزاً للذهاب معه حيث يريد، أدونيس بدوره كان (مفرداً في صيغة الجمع) ولم يكن يوماً في صيغة (الجماعة)، أما يوسف الخال فقد سبقهم إلى القول: جراحنا نهرٌ من الفضة، العلّية تكادُ تنهار.!

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×