سيرة طالب 90] لفتة إلى من وقف معي في أزمة الجلطة

الشيخ علي الفرج

فتحت عيني من حالة الغيبوبة وصحن الظلمة في (المستشفى التعليمي بالخبر)، وكانت حالتي متدهورة جدًا. وفي العناية المركزة، استمرت حالة النوم الطويل مع نصف الوعي واليقظة لمدة خمسة أيام، ولكن لم تنقطع عني زيارة العائلة، وإن كنت لا أعلم من جاء ومن خرج.

هدأت عروق الدم، وتحرّك مسلكه في انتظام في شريان الدماغ، واستقرت الحالة والحمد لله.. أخرجوني من العناية المركزة إلى السرير الأبيض، وزارني الأهل أولًا فقط، بعضهم يبكي، وبعضهم يخفي بكاءه، وبعضهم لا شيء.. الناس تتفاوت درجاتهم في الصلة، وبعضهم يظهر العافية والصحة ببشر.

وأما أنا أمدّ يدي اليسرى لأسلّم عليهم، ونصفي الأيمن معطّل تمامًا.

وأما عقلي ففي ضجيج لا يسمعه غيري، ولا أقدر على تهدئته أو تركيزه.. أسمع الآخرين ولا أفهم ما يقولون، سوى السلام والتحيات وقليل من طفيف التواصل.

يا للمرض! كثير من الأشياء تسمع عنها لكن لا تعرفها إلّا بالخيال الذي يتوهم أنه الحقيقة، ولكن لو لمسها البعض أو ذاقها، عَلِمَ حقيقتها ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [سُورَةُ الأَنبِيَاءِ: ٣٥].

وهناك طريقة واحدة للتخلص من الموت، هي أن تموت، وقال لي أحدهم إنه يتمنّى أن يجرب الموت دون أن يموت، فقلت له: إذن لم تجرّب الحياة حتى الآن.

علي أحمد الفرج

مرافقي الودود

كان الشخص الذي رافقني أكثر الأيام في السرير الأبيض في المستشفى التعليمي ابن عمي الودود المخلص (علي الفرج، أبو حسن) – وهو الذي رافقني في جميع مراحل مرضي- وكان يعاينني في كلّ دقيقة من المرض.

قال لي ذات مرة: في إحدى ليالي الرقدة ارتفعت حرارتك إلى فوق ٤٠ درجة، فاضطررنا لإحضار الثلج من كفتيريا المستشفى، ووضع الثلج على جميع أنحاء الجسم لتخفيض الحرارة، وبمساعدة الدكتور المناوب تم خفض الحرارة، ولله الحمد، وأنت تعلم أنّ ارتفاع درجة حرارة الجسم إذا تراوح ما بين 40 إلى 41 درجة مئوية يكون من المحتمل أن يصاب الجسم بالإعياء الحراري، وتبدأ وظائف الجسم في التوقف، وتبدأ الخلايا داخل الجسم في التدهور مع خطورة أن يعتري الفشل عدد من أعضاء الجسم.

وعلى أيِّ حالٍ، لما نقلوني إلى الغرفة العامة وخططوا لزيارة عائلتي فقط، ثم فتحوا الزيارة العامة إلى الأصدقاء والمشايخ والشعراء والشخصيات المثقفة، وقد زارني العلامة السيد منير الخباز، وكانت هذه الزيارة مميزة في حالتي النفسية، حتى عرف أهلي في انشراحي وتغير وضعي، وربما تكون نفحة إلهية في ذلك اليوم.

تزامن مع ولدي

ومن الملفت للنظر تزامن حالتي مع ولدي محمد – الآنف الذكر في الحلقة السابقة – في مرضنا:

– كانت ولادته في يوم، واليوم الثاني أصبت. وكان مبتلى بالاصفرار، مدة رقودي في المستشفى، فشفي بعد ولادته بـ ٤١ يومًا، وخرجت أنا من المستشفى بعد يوم واحد. كما أغلب الحالات إذا سافرت للعلاج أو الزيارة يمرض ولدي بعدها بيوم.

قصتان

قالت لي زوجتي إنّ الوضع المادي في أيام وجودك في المستشفى متردية جدًا، لا يعلمها إلّا الله.

وثمة حادثتان، أولهما محزنة، وثانيهما مفرحة.

الأولى: أيام وجودي في المستشفى – كعادتنا – الشهرية (راتب طلبة العلم) مقطوعة، وحتى بعد خروجي من المستشفى مدة أكثر من سنة استمرّت في الانقطاع. والمهم أنّ أحد طلاب العلم، وهو من الوكلاء ونشيط في الحركة الاجتماعية آنذاك، أرسل ألفي ريال، بواسطة أحد الطلاب ليوصلها إليّ أو إلى زوجتي.

وبعد مدّة أعطاها الوسيط أحد الأنساب ليوصلها إلى زوجتي.

وصباح أحد الأيام جاء إلى شقتنا، وجلس إلى أفراد من العائلة، وتكلم عني وعن تطوري الصحي، ثم سلم وخرج من الشقة.

ثم تذكر الظرف، فرجع، وقال لزوجتي: هذه هدية من فلان.

المؤسف أنّ هذه الهدية بقيت عند طالب العلم الذي أعطاه الوكيل أسبوعين أو أكثر، ثم سلّمها إلى النسيب، وبقيت عنده ما يقرب مدة أسبوع أو أسبوعين، ولكنها وصلت ولله الحمد بصعوبات ما يقرب من شهر.

ولا تعليق.

الشيخ عبدالحميد المرهون

الثانية: بعد خروجي من المستشفى فتح الأقرباء للزوار ساعة ونصف في بعض الليالي، وكان من بعض الشخصيات البارزة التي زارتني: الشيخ عبد الهادي الفضلي، والشيخ سعيد المدلوح رحمها الله، والشيخ عبدالحميد المرهون، والشيخ كاظم الجشي، وزارني السيد منير الخباز، وكانت زيارته مميزة أيضًا كزيارته في المستشفى، وبعد أن ذهبت إلى الشقة قالت زوجتي: تسلّم عليك زوجة السيد منير، وقد أعطتني لك عشرة آلاف من السيد.

وكان هذا العطاء نقلة نوعية لتوسعة الوضع، ولا أنسى هذا الموقف مدّة حياتي.

الدكتور الشيخ عبدالهادي الفضلي، رحمه الله

الشيخ كاظم الجشي

الشيخ سعيد المدلوح رحمه الله

من اليمين: الشيخ محمد عبدالشهيد، الكاتب، الشيخ عبدالعزيز آل سليم، السيد منير الخباز. الصورة في سوريا

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×