“الواصل” الوحيد هو القانون
حبيب محمود
أمس الأربعاء؛ كشفت “نزاهة“، عن تورُّطٌ مسؤولٍ أمني “متقاعد” وآخرين في قضايا فساد حجمها المالي يصل إلى 180 مليون ريال..
وفي هذه القصة درسٌ خفيٌّ جداً. الدرس لا يخصُّ القصة ذاتها، بل يخصُّ المفعول الأساسي القصة..!
إنه مفعول “القوة الوهمية” إذا جاز التوصيف والتعريف. إنها القوة التي يُمكن استعمالها، في الترغيب أو الترهيب، وهي ليست موجودة على أرض الواقع أصلاً، ولا يملكها مدّعيها.
المسؤول الأمني المتقاعد المقبوض عليه؛ حصل على شيك بـ 30 مليون ريال من أصل 100 مليون. وشركاؤه المقيمون حصلوا على 80 مليوناً في عمليات نصب مختلفة.
وجميعهم لم يستخدموا شيئاً سوى “قوة وهمية” في الإيقاع بالضحايا.
وفيما يخص العميد المتقاعد؛ فإنه خارج الخدمة، ولا يملك قوة “حقيقية” و لا “وهمية” يمكن استعمالها لصرف نظر هيئة الرقابة ومكافحة الفساد عن قضية فساد منظورة.. هذا أولاً.
وثانياً؛ حتى لو كان على رأس العمل؛ فإنه يعلم ـ والسعوديون يعلمون ـ أن “نزاهة” سبق أن أطاحت بمتورطين في قضايا فساد، من شخصيات ذات نفوذ عالٍ، بل ومن داخل جهاز هيئة الرقابة ومكافحة نفسها. وضربت بيدٍ من حديد.
وبالتالي فإن “العقيد المتقاعد” ادّعى قوة “نفوذ” من أجل التكسُّب غير المشروع.
وقوة النفوذ “وهمية” فصّاً ونصّاً في كلّ التشريعات السعودية، وبالذات التشريعات التي بدأت تصدر تباعاً منذ عام 2015 إلى الآن.
لم يعد أحد في المملكة العربية السعودية يُمكن أن يضغط على أحد، أو يُضغط عليه بـ “النفوذ“؛ إلا حين تهيمن عليه “قوة وهمية“، جهلاً أو خوفاً.
الأنظمة واللوائح وصلت إلى مرحلة النضج والتكامل في بلادنا، ولله الحمد. وبالتالي؛ فإن أيّ جهة حكومية لا يمكنها أن تمسّ أحداً، إلا عبر القنوات القانونية وإجراءاتها. ومن حقّها أن تقاضي أي متعدٍّ أو متجاوزٍ عبر هذه القنوات فحسب.
ومقابل ذلك؛ يمكن لأي فردٍ ـ مواطناً أو مقيماً ـ بل لأي مؤسسة خاصة أن تُقاضي أي جهة حكومية وتطالب بحقوقها، أمام المؤسسات القضائية المختصة المنتشرة في بلادنا.
فوق ذلك؛ دُعمت الحقوق بفتح أبواب المحاماة ليستعين المواطن والمقيم بمن يشاء من المحامين من أجل التزام الطرائق القانونية في التقاضي أو الدفاع، بل ومن أجل ضمان سلامة الإجراءات، بدءاً من الضبط، مروراً بالتحقيق، وصولاً إلى صدور الحكم.
الطرق القانونية في المملكة العربية السعودية واضحة، والاختصاص النوعي مفروز، ونصوص التشريعات متاحة، وإجراءات القاضي مفهومة. ولم يعد بإمكان أحد أن يزعم أنه “واصل“، وقادر على تعطيل قضية، أو تحريك دعوى، أو فرض “نفوذ” على أحد.
“الواصل” الوحيد هو النظام والقانون، فإذا استغلٌّ أحدٌ ما “غباء” الذين لم يفهموا بعد ما يجري في بلادنا من إنجازات عظيمة على مستوى تكريس دولة القانون؛ فإن العيب في الغبي الذي يظنّ أنه في وجه “واحد واصل“، أو صديق “واحد واصل“.