[مقال] أثير السادة: غواية الصورة الجوية

أثير السادة

 

حين تحلق بالطائرة فوق مدينة ما، ستجد بأنك تبصر شيئاً جديداً، ليس ضمن حدود الرؤية اليومية، شيئاً يشبه مجسماً صغيراً للمكان، فكل شيء يتناهى في الصغر حين تتسع الرؤية من أعلى، تأخذك المشاعر حينها إلى التفاعل بنحو مختلف مع صورة المكان، كالطير وهو ينغمس في عمق السماء، يحلق وينظر من أفق المغامرات التي يجلبها التحديق إلى أسفل، قد تبهجك الأنوار المضاءة في كل اتجاه، والشوارع المتداخلة في امتدادها الأنيق، والبيوت المتوارية خلف كثافتها.. كل ذلك لأنك جربت النظر بأكثر رحابة، تسترق النظرة تلو النظرة لمكان مليئ بالتفاصيل.

التصوير الجوي هو الآخر محاولة للنظر إلى الأرض من مرايا السماء، الكاميرا فيه تنتخب تكوينا جديدا للمكان، وتراهن على تقديم خطاطة مطرزة بالتفاصيل الكثيرة والدقيقة، ومن السماء تسترد تجربة التصوير الجوي ذرائعها لرصد أنفاس المدينة، ترفع من مستوى توقعاتنا لجماليات التضاريس التي تصوغ ملامح المكان.

فهل ساهم التصوير الجوي في إعادة بناء صورة المدينة؟

في عالم السياحة، تتقدم هذه النماذج من الصور في تعريف ما يعرف بالمدن الفوتوجينية، لتبدو كرافعة جمالية لهذا المشهد السياحي المرصود لجذب المزيد من السواح، سيشهق الواحد منا وهو ينظر لامتداد الحقول، واسترخاء البيوتات على السواحل، وجماليات الإضاءة الليلية في ميادين المدينة الصاخبة، ومشهد البنايات التي تناطح السحاب، وباقي الأشياء التي تحاول مدن السياحة أن تزهو بها.. يعلم السواح مقدماً بأن سياحتهم على الأرض وليس في السماء، وأن هذه الطبيعة الموصوفة جوا لن تعرفها أقدامهم بذات النحو، غير أنهم يتأثرون مباشرة بإغواءت الصورة الجوية التي توقظ رغبة الاكتشاف لدى السائحين، ورغبة الوقوف على حدود الصورة المتخيلة للمكان.

ومع التسهيلات التقنية التي قدمتها كاميرا الدرون، باتت الصورة الجوية مادة حاضرة في توثيق المدن وتسويقها بنحو أكبر، لتغمرنا بأحاسيس جديدة وتصورات مغايرة عن فضاءات المدن المألوفة، الذين شاهدوا اللقطات الجوية لساحل القطيف وشريطها الزراعي مازالوا يستشعرون نشوة مختلفة لهذا الحضور الإستثنائي لصورة مدينتهم المحمولة على الحسرة لانحسار شواطئها ونخيلها، بدت لهم هذه المرة متألقة في زرقة الماء واخضرار الأرض وانتظام طرقاتها.

أتذكر هذه الانطباعات وأنا أتأمل في صورة للفوتوغرافي عبدالله الشيخ تصف لنا مدينة الخبر من الجو، ومن فوق برج الماء، باعتبارها مدينة يحاصرها الماء بلا انتهاء أشبه شيء بجزيرة تعانق الغيم وتحرس الشاطئ الذي يطوقها بلمعانه اللافت، هنا نكتشف صورة لا تصف فقط حداثة هذه المدينة بل جاذبيتها واتصالها بمدن الفوتوجينيك، في بناء بصري مقصود لاستنهاض الوجه السياحي للمكان.

قوة الصورة الجوية في قدرتها على صنع صور متخيلة للمكان تزاحم الصور الواقعية التي يشاهدها الناس على الأرض، فمتعة الصورة ستتحول إلى ملامسة افتراضية لهذا الفضاء المدني والعبور من خلاله باتجاه تجربة المعايشة والتي يأمل صناع الصورة في أن تكون حافزا لاتخاذ قرار الزيارة للخبر.. ستبرز هذه القوة مرة أخرى في تجربة الترويج للأحساء كوجهة سياحية، حيث الصورة أول تذاكر العبور إلى مختبر السياحة، وفيها الصورة الجوية التي تسابق عدد من المصورين لاعتمادها في تعريفهم للمكان، وشحنه بالكثير من الاحتمالات الجمالية التي ستتوارى خلف لقطات من الممرات السماوية.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×