التباس القطيفي بالبحراني…!

حبيب محمود

الكتابة عن القطيف، ثقافةً وفلكلوراً، لا تختلف عن الكتابة عن البحرين. ذلك من البَدَهيّات التي يمرُّ بها الملاحظ العَرَضي، فما بالك بمن يبحث وينقّب ويدوّن..؟!
لديّ أصدقاء بحرانيون غالباً ما يعلّقُ بعضهم بقوله “مثل ما عندنا بالبحرين” على ما أكتب وأرسله إليهم. ولم أكن أتوقَّعُ أقلَّ من مثل هذا التعليق. بل بوسع أيّ بحراني أن ينسخ كلامي ويلصقه مستبدلاً أسماء الأماكن فحسب…!
:
رحم الله الشاعر عباس الخزام (1934 ـ 2007) الذي انشطرت حياته بين القطيف السعودية  والبحرين.

في مطلع التسعينيات أعطاني مجموعة قصائد وسيرةً ذاتية بخط يدهِ، لأفيد منها في بحث كنتُ أعمل عليه وقتها*. بعضها شعرٌ في القطيف طبيعةً وحياةً. وهي النصوص، ذاتها، التي نشرها في مجموعته “الجريح الصامد” سنة 1972، وأفاد منها الدكتور علوي الهاشمي في “ما قالته النخلة للبحر”، دارساً شعر البحرين..!
:
لقد انطلى عليّ تمرير الشاعر الخزام، أكثر مما انطلى على الدكتور الهاشميّ. وما ذاك؛ إلا لأن القطيف تكاد تكون نسخةً طبق الأصل عن البحرين في ثيمتيها الثقافيتين: النخلة والبحر. وبالتالي؛ الإنسان معيشةً وقدَراً، خاصّة أن التقارب الجغرافيَّ صنع قنوات تواصُل عرقيِّ انشطرت، بموجبه، حياة أعداد كبيرة من السكّان بين الأرخبيل البحراني والساحل القطيفي..!
:
واقع الأمر؛ هو أن جُزر البحرين تعلّقت، منذ القِدم، بواقع شرق الجزيرة العربية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً. وبقيت على ذلك حتى وضع الإنجليز يدهم عليها في أعقاب سنة 1859م**. عندها انفصل تاريخ البحرين السياسي عن تاريخ الشطر الشرقيّ من الجزيرة العربية. لكنّ العلاقات الأخرى بقيت قائمةً ومحافظة على تأثيراتها وتفاعلاتها. ولم تفقد البحرين موقعها الاستراتيجي بالنسبة لسكّان القطيف والأحساء أيضاً. فقد بقيت محطة “ترانزيت” للتجارة الدولية التي تمسُّ حياة الناس، استيراداً وتصديراً، حتى عقود ليست بعيدة عنا كثيراً.
:
وقد أهّلها انفتاحها الاقتصادي، وتنوّعها السكاني، لاستيعاب ألواًن من الثقافات الحديثة. ومن نتائج ذلك تقبّلها للحداثة والمخترعات وتفعيلها في المجتمع، وإعادة تصديرها إلى المنطقة الخليجية.
:
وحتى عهدٍ قريبٍ كانت عبارة “أهل البحرين ما خلَّوْا شَيْ”* تجري مجرى المثل، تعبيراً عن إعجاب سكان القطيف بالتقدُّم الذي يُحرزه البحرانيون في ميادين الحياة. وبقدر ما يُشير ذلك إلى تفوُّقٍ بحرانيٍّ؛ فإنه ـ من زاوية مهمة ـ يدعمُ واقع الشراكة العميقة، بكلّ ما تنطوي عليه من مُفردات بيئية وعرقية وثقافية.

هذه الحقائق التي ما زالت قائمة؛ تجعل من الصعب تمييز القطيفي عن البحراني، أو البحراني عن القطيفي. وفي بعض التفصيلات الفلكلورية؛ يمكن مدّ التداخل والتشارك إلى محافظة الأحساء، في أغلب النُّظم والاصطلاحات الزراعية التقليدية.
:
:
———-
* الشعر القطيفي في 40 عاماً ـ 1370 ـ 1410هـ، وهو منشور في مجلة “الموسم” سنة 1994.
** بقيت البحرين تحت الحماية البريطانية حتى استقلالها سنة 1971م.
* المعنى أنهم لم يتركوا شيئاً إلا وصنعوه. والعبارة استُخدمت ـ لاحقاً ـ بصيغة “أبو كبُّوس ما خلّى شَيْ”، ويُقصد بها الأمريكي الذي يرتدي قبعة. انتشرت العبارة بعد مشاهدة الناس الاختراعات “العجيبة” التي يرونها من الأمريكان الذين استخرجوا النفط.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×