حدث في صفوى.. 340 ألف ريال في مهبّ النصب الإلكتروني "هناء" انتقلت من نصّاب إلى آخر وبخّرا مدّخراتها وقروضها
القطيف: أمل سعيد
ملخص القصة هو ابتلاع أكثر من 340 ألف ريال، نصباً واحتيالاً. والضحية سيدة من مدينة صفوى.. وقصتها بدأت بالرسالة التالية:
“تداول.. أكثر من 130 سوق مال عالمي مع وسيط مرخّص.. ومعتمد كليّاً.. مع #### الأرقام تُحسم لتداول أفضل”.
كانت هذه الكلمات كافية ـ بل أكثر من كافية ـ لإيقاع أحدهم أو إحداهن في الشباك المنصوبة خِفْية، ولمزيد من الدفع نحو الفخ الجاهز للصيد تتلون الجمل فتأخذ شكل العطاء “فريقنا جاهز لتزويدك بتقرير كامل عن طرق الاستثمار المناسبة لك، فقط اترك وسيلة تواصل”..
وهنا لم يكن على بطلة قصتنا إلا أن تدفع بأصابعها بوابة الأمل الوهمي وتستدعي مارد الأحلام المزيفة.
إعلان إنستا
ربما كانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الأكثر حضوراً في قصص النصب والاحتيال، فالطرق التقليدية بهت لونها وخف بريقها مع ثورة التقنية الحديثة، ومن قارعة الطريق والمحلات والأرصفة حمل المحتال عدته وعتاده وانتقل إلى زوايا المنصات الإلكترونية ودهاليزها، وأصبح يعرض بضاعته عيانا أمام كل الناس، والكثير منا يعلم بأنه محض نصّاب، ومع ذلك فلا أحد يمكنه أن يكفيك شره إلا أنت.
وبالعودة إلى صاحبة القصة هناء تقول “كنت في تلك الفترة أفكر في طريقة أستثمر فيها بعض المال، وفي يوم وأنا أتصفح منصة إنستغرام رأيت إعلاناً عن طرق الاستثمار الناجح في الأسواق المالية، فشعرت وكأن القدر ساق هذا الإعلان إليّ، وما إن ملأتُ الخانات الفارغة ببياناتي الشخصية حتى تم التواصل معي عن طريق واتساب”.
كان الشخص الذي يتواصل معها من إحدى الجنسيات العربية، تقول هناء “قال إن اسمه شاهين، كان منظماً في أفكاره، يعرف من أين يبدأ ويدري إلى أين يتجه، فبدأ بتعريف الشركة التي يعمل فيها، وما هي نشاطاتها، وفيما تعمل، ومن هي الفئة المستهدفة، وما هو دوره في كل هذا، وعن دوره تحديداً أسهب كثيراً، حيث قال لي إنه هو المستشار المالي الخاص بتعاملاتي المالية، وسوف يكون معي على مدار الساعة إن أنا أقدمت على الاستثمار، وأن الاستثمار معهم آمن تمامًا ومضمون ومصرح به في المملكة العربية السعودية”.
تحميل التطبيق
“بعدما سرد مميزات الاستثمار معهم، شعرت بأنني قاب قوسين من النجاح، وأنني على أعتاب مغامرة مدروسة أو هكذا تهيأ لي، فاستعرت بيت الشابي وتمتمت:
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبد الدهر بين الحفر
هنا بدأت دماء المغامرة تتدفق داخلي، وأبديت له رغبتي واستعدادي للبدء في الاستثمار، وطلب مني تحميل التطبيق الخاص بالشركة، فحمّلته، ومرة أخرى أدخلت بياناتي، وفتحت حساباً على المنصة الخاصة بالتداول”.
لم تكد الخطوة الأولى تنتهي حتى دخلت هناء في المرحلة العملية، ومن الكلام الذي جرى بينها وبينه خمّن إمكانياتها المادية والنفسية فكان طلبه التالي موافقاً لذلك، تقول “طلب مني تحويل 19 ألف ريال كمبلغ أولي للتداول على حساب المميز، واستهل العمل معي في صفقات تكنولوجية، وبما أن التقنية هي محور تعاملات العالم اليوم فمن المتوقع أن التداول فيها يكون رابحًا، هكذا رسم لي الأمر وقبلت عن قناعة وثقة بما يقول”
لاعب النرد
وبمجرد ابرامها للصفقة الأولى أصبحت هناء تراقب المنحنيات المرتفعة والهابطة، ويشتد تركيزها على أسهمها، لم يمض وقت طويل وتحققت نبوءته وارتفعت الأسهم التي اشترتها وبأفضل مما قال فكانت صفقة رابحة وأكثر.
تكمل هناء “ولكي يشدني إلى اللعبة أكثر ويشعرني بالأمان قال لي وبدون طلب مني أنه بإمكاني تحويل الربح إلى حسابي إن رغبت، لكنه نصحني أن أضخ مبلغاً آخر فالسوق في منحنى صاعد ويجب أن نغتنم الفرصة، وللمرة الثانية حولت المال إلى حسابي داخل المنصة واشتريت ما نصحني به، وأيضا ربحت الصفقة، وهنا طلبت منه أن أحول جزءاً من المال إلى حسابي، وبدون أخذ ورد وافق على طلبي وتم تحويل ألفي دولار إلى حسابي، أي ما يعادل 7500 ريال”.
تحويلات متلاحقة
وبغصة تعترف هناء “كان هذا التحويل هو الأول والأخير على حسابي، وقبله وبعده حوالات صادرة فقط من حسابي إلى حسابهم، ومن صفقة رابحة إلى صفقة لا تعوض، وفي كل مرة يطلب مني إيداع مبلغ من المال كي نغتنم الفرص، وفي يوم طلب مني تحويل نقود إلى المحفظة فقلت له أنني حولت كل ما بحوزتي إلى الحساب، ثم نصحني أن أتسلف كي لا أخسر، وكنت وقتها قد تسلفت من أخواتي من أجل أن أغذي محفظة استثمارية أخرى، حاول كثيراً من أجل أن أوفر المبلغ المطلوب إلا أني لم أستطع”.
تكمل “بعد يومين اتصل بي شخص آخر من نفس الشركة وعرّف بنفسه، ثم قال لي إن محفظتي في خطر وربما تخسرين أموالك وحسابك كله إن لم تضعي فيه مبلغاً ينعشه، فقلت له كما قلت لسابقه بأنه لم يتبق عندي ما أودعه، وأعاد عليّ إن حسابي في خطر ويجب أن أتدارك الأمر، فطلبت منه أن أسمع رأي شاهين (مدير حسابي) في الأمر فقال إن دوامه انتهى، وعندما وجدني رافضة للتعاطي معه تماماً، أنهى المكالمة وبعد قليل اتصل بي شاهين، وقال لي نفس الكلام، واستبدل جملة الصفقة الرابحة بالجملة الجديدة حسابك في خطر، فقلت كيف يكون في خطر وأنا أفعل ما تقوله تماماً، وكيف يكون في خطر بعد كل تلك المبالغ التي أودعتها، والصفقات الرابحة التي أتممتها، ثم لمَ لمْ تترك مبلغا من المال للحالات الطارئة كما تقول؟
أنهيت المكالمة وأنا في شدة غيظي من كلامه، وفي اليوم التالي اتصل بي وأخبرني أن رأس المال مستمر في النزول، وأن مستوى الهامش نزل عن 150 وهذا الحد يعطينا إشارة إلى خطورة الوضع، وبعد إلحاح كبير وتخويف من خسارة كامل المبلغ، قلت له ليس عندي سوى 20 ألف ريال، وهي جمعية كنت قد استلمتها في ذلك اليوم، فقال وهو غير راض حوليها وسنرى ما بإمكاننا فعله”.
تجميد الحساب
تقول هناء “بعد التحويل ارتفع الهامش إلى أكثر من 150، فاستبشرت خيراً، وأيضا كانت عندي أسهم مرتفعة فباعها، وظهر لي أن الحساب بدأ يتعافى.
لم أكد أتنفس الصعداء حتى اتصل بي وكأنه غاضب ليخبرني أن الحساب نزل من جديد، ولن ينفع دفع مبلغ بسيط هذه المرة، ولابد من تحويل ما لا يقل عن 75 ألف ريال، وإذا لم أدفع فإن الحساب سوف يتصفى وتغلق المحفظة، فسألته: وكيف تغلق المحفظة والحساب وأسهمي ما زالت موجودة؟
حتى لو نزل سعر أسهمي وحتى لو نزل السوق بأكمله، نتركها حتى يعاود السوق ارتفاعه وترتفع، لكنه قال: الأمر لا يسير بهذه الصورة، فعندما تنزلين عن الهامش يغلق الحساب تلقائيا وتصفى الأسهم”.
هذه المرة لم تتجاوب هناء مع إلحاحه وتخويفه، ربما لأنها لم تعد تملك المال لتحوله، ولم يعد باستطاعتها الاقتراض من أحد، تقول “أصررت على رفض التحويل حتى يأس مني، وبعدها لم يكلمني، كنت أراقب الأسهم حينها كيف تتناقص قيمتها حتى جاء وقت لم تعد تتحرك إطلاقاً، ثم رأيت حسابي خال تماما من كل التعاملات، وكأنه جمد، وكلما اتصلت بهم لا أجد رداً من أحد”.
الأحلام مرة أخرى
بلغ مجموع ما أخذه المحتال 110 آلاف ريال، لكن القصة لم تنته هنا، فقد كان هذا جانب واحد من الحكاية التي عاشتها هناء، ومن جانب آخر وفي نفس الوقت كان هناك مستشار مالي آخر يفرش لها الأماني ويزور لها الأحلام..
كانت تحدث نفسها “من الرائع أن تجد لك خبيراً يدلك على الطريق الأمثل للاستثمار، وأن يكون قريباً إلى جانبك في اتخاذ القرارات المهمة التي عليها يتوقف ربحك وخسارتك، والأروع أنه معك ويهتم بتفاصيل العمليات التي تقوم بها على مدار الساعة.. مستشار مالي خاص بك، فكيف إذا كانا اثنين لا يعرف أحدهما عن الآخر شيئاً، فإن كبا جواد فالآخر سيحقق لي الفوز الذي أطلبه”.
تقول هناء “سألني ما هو سقف أمنياتك من السوق والاستثمار، فقلت بمنتهى الشفافية مليون ريال، أريد مليوناً كي أشتري أرضاً زراعية أستثمر فيها، أجابني بثقة: طموحك منخفض جداً، المليون ليس شيئاً في سوق المال”.
30 ألف ريال
كان وهج صفقات الذهب شديداً، لذا لم تقاوم هناء غوايته تقول “حينما قال لي إن سعر الذهب نازل وعليك اغتنام الفرصة لشرائه الآن، لم أتردد لحظة، بل كنت أنتظر معرفة المبلغ الذي يريد كي أحول له، فطلب مني تحويل 30 ألف ريال وفعلت بلا تردد، وبين حولي مبلغاً هناك صفقة رابحة وبين السوق في ترند صاعد وعلينا اغتنام الفرصة صفّر حسابي، خاصة أني كنت أحول لجهتين في ذات الوقت، ثم بدأت بالسلف من أختي تارة ومن الثانية أخرى ومن أخي تارة ثالثة، كل ذلك وأنا في سكرة الأرباح الرقمية التي أراها على الشاشة، ودون أن يعلم أياً من أهلي شيئاً”.
تضيف هناء “وصلت الأرباح إلى 500 ألف ريال، لا أعرف كيف أصف مشاعري تجاه ذلك، مزيج من السعادة والطمع بالمزيد والشك من أن يكون كل ذلك هباء، وفي لحظة خوف قلت له: ما الذي يضمن أنكم ستعطوني أرباحي وتحولون أموالي إلى حسابي، فأجابني بأنه سيصدر حوالة بنكية إلى حسابي في بنك الرياض بمبلغ 300 ألف ريال، عندها شعرت بشيء من الطمأنينة؛ خاصة أنه كتب الحوالة وصورها وأرسلها لي، وبعد بضع ساعات أخبرته أنه لم ينزل شيء على حسابي فقال ربما لأنها حوالة دولية قد تأخذ بعض الوقت، واليوم خميس فربما تصلك يوم الأحد القادم، وبقيت أيامي اللاحقة انتظر وصول الحوالة، مضى الأحد والاثنين وبعده الثلاثاء دون أن يصلني شيء، عندها سألته عن السبب، فقال إن الحوالة أوقفت ولم تتحول لأن المبلغ كبير جداً، ولكي يقبل التحويل يجب أن ندفع تأمين على المحفظة بقيمة 45 ألف ريال، و37 ألف ضريبة على الأموال التي ستحول، وبكل سذاجة صدقته ودفعت المبالغ التي طلبها، وأيضاً لم يصلني شيء، وهذه المرة وقبل أن أسأله قال لي بقيت 28 ألف ريال رسوم، وصدقاً وأنا أتذكر سير الأحداث لا أعرف كيف تمكن من إقناعي بتحويل كل هذه المبالغ”، وتختم القصة بقولها “وبعد أن حولت ما طلب لم أسمع صوته، ولم يرسل لي شيئاً، ولم يرد على اتصالي ولا رسائلي”.
بعدها خاطبت البنك الذي تتعامل معه وتحول عليه أموالها، كما رفعت بلاغاً في الشرطة، لكن كل ذلك بلا فائدة فأموالها ذهبت مع الريح..
لم تخسر هناء أموالها فحسب، بل غامرت بأموال استلفتها من أخوتها، وبأموال جمعيات اشتركت فيها وأخذتها لترسلها لحسابات في شركات النصب، وبلغ مجموع ما دفعته في المرتين 340 ألف ريال.
كلمة أخيرة
وفي كلمة توجهها هناء إلى المجتمع تقول “أنا أعلم أن أموالي لن تعود بنشر الموضوع في الصحافة، وأعلم أن الكثير سيلومونني على ثقتي الزائدة في غير محلها، لكنني طلبت نشر ما حصل معي لعله يصل إلى واحد فقط فيكون له ناقوسا يدق فيرفع رجله عن موقع الخطر، خاصة أن طرق النصب أصبحت كثيرة جداً وأكثر سهولة مما نظن، وتكفينا لحظة غفلة كي نقع”.