حريد جازان.. وقُمْبار القطيف

حبيب محمود

مشاهد من أجمل ما يمكن أن يراه سعوديٌّ في وطنه، تلك المشاهد التي ظهر فيها المواطنون في جازان وهم يهرولون إلى البحر، إيذاناً ببدء موسم سمك “الحريد”..!

إنه موسمٌ سنويٌّ، حيث تُصطاد الأسماك حتى بالأيدي. تقليدٌ عميقٌ جداً في هذه المنطقة الجميلة من بلادنا. يُحافَظ عليه على أعلى مستوى، رسمياً وشعبياً.

مثل هذه المشاهد؛ أثارت لديّ شجناً خاصّاً، عن موسم “القُمبار” في جزيرة دارين وتاروت. ذلك المشهد الليليّ الذي يظهر فيه بحر سنابس. “صراجات” برتقالية تتوزّع في ظلام البحر، ويشاهدها الناس من “السِّيف”، وما ذلك إلا مشهد صيادي “القُمبار” الذين يدخلون البحر سيراً على الأقدام، منذ المغرب، ولا يعودون إلا منتصف الليل، حاملين خيرات البحر إلى أسرهم..!

لقد مرّ على ذلك الكثير من السنوات، حين جرّبتُ “القُمبار” مع بعض أبناء خالي آل دغام. كنّا صِبية، والبحر مليء بالرجال والصبية، يذهبون في مجموعات صغيرة لا تتجاوز اثنين أو ثلاثة في كل مجموعة. ويتولّى أحدهم الصيد، ويتولى آخر حمل المصيد في “تنكة”..!

المنطقة ضحلة، وفي حالة المدّ الأعلى، لا يتجاوز الماء كتف الصبيّ، ما يعني أن الوضع آمن، ولو حدث ـ لا سمح الله ـ ما يُكرَه؛ فإن الصيادين الآخرين ملء البصر، ولا يتباعدون بأكثر من أمتار محدودة. ولذلك؛ يظهر مشهد البحر من “سنابس” وكأنه لوحة سوداء مزدحمة بأضواء الزينة..!

يستخدم الصياد الـ “صاخوب”، وهو قفص من السلك، بلا قاعدة، وله فتحة من أعلى، ويُطبق القفص على السمكة أولاً، ثم يُأخذها ـ بيده ـ من القفص ويضعها في “التنكة”. ومن أجل الرؤية يحمل “سراجاً”. قديماً كان “الصاخوب” من العصيّ والليف، ثم تطوّر إلى السلك في جيلنا.

الـ “سراج” كان زجاجة فيها “قاز”، وفتيلتها خارجة من كومة من عجينة تمر. ثم تطوّر إلى استخدام المصباح المزود ببطارية.

قيمة هذه العادة مهمة جداً في إحياء فلكلور المنطقة الشرقية عموماً، ومحافظة القطيف على وجه خاص. فضلاً عن أهميتها في صورة الواجهة السياحية للمحافظة أيضاً. وفكرة استعادتها وتطويرها سوف تُضيف إلى مكوّنات الثقافة المحلية، خاصة في الشق البحري.

ولو تبنّي مجلس التنمية السياحية في المحافظة الفكرة؛ فسوف يكون ذلك من إنجازاته المشكورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×