عبر التاريخ.. القطيف عاشت صديقة للملاريا حتى وصول الـ DDT ربع مليار مصاب في العالم.. والسعودية قضت عليه 100%

شبكة القطيف تنظم أصبوحة تثقيف غداً

إعداد: معصومة المقرقش

فيما تتأهّب شبكة القطيف الصحية لتفعيل أصبوحة تثقيف بمرض الملاريا غداً الاثنين في مستشفى الأمير محمد بن فهد؛ تظهر من ذاكرة تاريخ المحافظة وجود هذا المرض فيها أجيالاً متعاقبة حتى بداية الأربعينيات الميلادية من القرن الماضي، حين بدأت مقاومته عملياً، وبعد انتشار وبائي له، وخلّف وفيات في أوساط موظفي شركة أرامكو، حديثيْ العهد، إضافة إلى سعوديين من القطيف نفسها.

وتصنف منظمة الصحة العالمية الملاريا بوصفه أحد الأمراض الأكثر خطراً في عالم اليوم، بحسب ما ذكرته في موقعها الإلكتروني، حيث حصد المرض في العام 2021 أرواح 619 ألف إنسان، وأصاب 247 مليوناً، 95% منها في القارة الأفريقية.

سعودياً؛ لم يعد الملاريا يشكّل أي خطر منذ سنوات، وبحسب وزارة الصحة؛ فإن نسبة التغطية بعلاج الملاريا وصلت إلى ١٠٠% خلال العام 2019م، مع الوقاية الكاملة لكل السكان المعرضين لخطر الإصابة؛ وذلك من خلال مكافحة البعوض الناقل لمرض الملاريا، وتوزيع العلاج الوقائي للمسافرين إلى مناطق، أو دول متوطن فيها المرض؛ حتى لا يصابوا بالمرض، ويكونوا بؤرة للعدوى.

وقبل ذلك بثلاثة عقود، كانت معظم مناطق المملكة موبوءة بمرض الملاريا، وكانت أغلب مناطقها تمثل بؤرًا لنقل المرض؛ حيث سجلت المملكة في عام ١٩٩٨م، ما زاد على ٤٠ ألف حالة ملاريا محلية، كانت تمثل تهديدًا لحياة ١٢ مليون شخص، هم السكان المعرضون لخطر الإصابة بالمرض آنذاك، خصوصًا في المناطق الجنوبية والغربية من المملكة.

ملاريا القطيف

القطيف؛ كانت إحدى البؤر الشهيرة بالمرض، وقد غزت بعوضة الملاريا قرى واحة القطيف في موجتين متقاربتين زمنيًّا بفاصل 15 عامًا تقريبًا. وكانت تبطش وتقتل وتهجر الصغار والكبار، والشيوخ والشباب إلى أماكنٍ بعيدة عن مساكنهم، بينما هي تعيش في كنف الأماكن الدافئة الرطبة، وفي مستنقعات النخيل، ومساكن الطين في القرى.

والملاريا مرضٌ مُعد يتسبب في حدوثه كائن طفيلي يسمى البلازموديوم، ينتقل عن طريق البعوض، ويتسلل هذا الطفيلي داخل كريات الدم الحمراء في جسم الإنسان فيدمرها. وفترة حضانة هذا المرض تتراوح ما بين 7- 30 يومًا.

أوقات لدغها

وتنتقل الملاريا بين البشر من خلال لدغات أجناس بعوضة الانوفيليس الحاملة لها، التي تُسمى (نواقل الملاريا)، التي تلدغ في الفترة بين الغسق والفجر بالدرجة الأولى.

وتبدأ أعراض المرض بالظهور خلال أسابيع من التعرض للدغ البعوض، وقد تمتد الفترة إلى ما يقارب الشهر، وتشمل الأعراض نوبات متكررة من: ارتفاع درجة حرارة الجسم، ورعشة، وتعرق شديد، صداع، غثيان وقيء، وإسهال.

وباء 1961

وفي مارس من العام 1961م بالتحديد بدأت أعراض الوباء تنتشر في بعض قرى واحة القطيف بحسب ما أصدرته نشرة مجلة أرامكو السعودية التي نقلت من خلالها كلمات عن عالم الحشرات في الشركة الدكتور روبرت بفلي قال فيها إنّ بداية اكتشاف مرض الملاريا في المنطقة بدأ مطلع اربعينيات القرن الماضي، مشيرتً إلى أن مسبب هذا المرض أنثى البعوض التي تسببت في بؤس لقرونٍ للكثير من البشر.

لماذا انتشر في القطيف؟

وعن سبب انتشار هذا الوباء القاتل بالتحديد في قرى واحة القطيف كونها منطقة زراعية غنية بالنخيل بالدرجة الأولى، وكثرة مستنقعاتها المتكوّنة عن مياه عيونها، إلى جانب توافر بيئة خصبة لها كالرطوبة والدفء، ومساكن الطين، وكذلك ارتباطها بالممارسات المحلية للزراعة. وتوفّر طرق الريّ المحليّة ومخططات الصرف التي توفّر أماكن تكاثر نواقل المرض.

دراسات استقصائية

وأثناء تفشي الوباء في القطيف، عملت شركة أرامكو – بعد أن تحصّلت على موافقة الحكومة – على إعداد دراسات استقصائية وبحسب إحدى وثائقها، أظهرت النتائج في عام 1948م فإنّ معظم الأطفال الرُضّع كانت نتائجهم إيجابية مشيرة إلى حملهم المرض. فعملت على إعداد برنامج مكافحة الملاريا، ووظفت فيه من أبناء المنطقة للعمل ضمنه.

مبيد DDT

وعلى إثر ذلك، رشت أرامكو مادة (دي دي تي DDT -)، ممّا ساهم في خفض نسبة الأطفال الرُّضّع المصابين إلى أقلّ من النصف، كانت 100% فأصبحت 44%، أما الأطفال من غير الرُّضّع فانخفضت نسبة الإصابة من 85% إلى 52%. قبل أن تعود بعد بضع سنوات موجة جديدة من المرض بعد أن اكتسب البعوض الناقل للملاريا مناعة ضد المادة الأولى، فاستبدلوا بها مادة جديدة اسمها (دايلدرين – Dieldrin ) حقّقت نتائج مُبشّرة، متزامنًا مع الدواء الوقائي الذي وُزّع على الأهالي من وزارة الصحة للوقاية من المرض. حتى جاء عام 1957م يحمل تباشير خلوّ الأطفال الرُضَّع من المرض.

43 حالة وفاة

وبلغ عدد الذين قضوا نحبهم جراء هذا الوباء ما قبل السيطرة عليه بين عامي (1941م -1947م)، 8 حالات وفاة بين موظفي أرامكو، و43 حالة وفاة لعموم سكان المنطقة في مستشفيات أرامكو في الفترة نفسها. وهي الفترة التي عُدّت فترة ما قبل السيطرة على المرض.

استئجار عُمال

وبحسب تقرير نشره سالم الأصيل في “صبرة” تحت عنوان [2] سنوات الملاريا.. شهادات عاملين في المكافحة كتب فيه: قبل سبعين عامًا تقريبًا، وفّرت شركة أرامكو بالتنسيق مع وزارة الصحة مادة بيضاء تشبه “الطحينية”، يسمّونها (دي دي تي – DDT) واستأجرت عمالاً من قبلها، معهم براميل وُضعت جوار عين الصّدَّين الشهيرة في قرية الجارودية، العين المشهورة بكونها أعذب عيون المنطقة، الواقعة داخل حرم مسورة البلدة الريفية المرتفعة غربًا عن مركز محافظة القطيف 4 كيلومترات تقريبًا.

حمل المضخّات ورشها

وبين في تقريره كيف صار المشرفون في برنامج مكافحة الملاريا يخلطون هذه المادة إلى الماء في البراميل؛ حتى لا تترسب المادة البيضاء في قعر البرميل. ثم يأتي بعدئذٍ دور العمال المستأجَرين، يحملون على أكتافهم مضخّات الرشّ، فيملؤونها من تلك البراميل؛ ليبدؤوا في جولاتهم يجوبون بيوتات القرية، تلك التي لم يكن يخلو واحد منها من الحيوانات والبهائم؛ بقر، حمير، أغنام، ودواجن، أو غيرها من الحيوانات الأليفة، فيبادرون إلى رشّ البيوت من الداخل: الزريبة، والعشة، والمِنْدَبِيَّة (غرفة للسكن).

1956 م نهاية الوباء 

في عام 1956م، قضت حكومة المملكة العربية السعودية بالتعاون مع شركة أرامكو، على وباء الملاريا عبر نشر التوعية حوله والطرق الوقاية منه، عبر حملة صحية تثقيفية شملت جميع المناطق المعنية، بزيارات منزلية مكثفة للتأكد من قيام الأهالي بتجفيف المياه الراكدة لمنع يرقات البعوض من النمو ونشر المرض. وفي إجراء وقائي آخر، زُوِّدت قنوات الري والواحات في المنطقة الشرقية بأسماك فامبوزيا التي تتغذى بيرقات البعوض.

انحساره في جازان وعسير

 ومن خلال استعراض تجربتها في مجال مكافحة الملاريا خلال الأعوام الماضية أكدت وزارة الصحة اهتمام الدولة ودعمها اللامحدود لبرنامج مكافحة الملاريا؛ حيث خفض عدد الحالات من ٤٠ ألف حالة في عام ١٩٩٨م، إلى أقل من ١٠٠ حالة خلال هذا العام والأعوام الماضية، كما انحسر اكتشافها في قرى حدودية قليلة بمنطقتي جازان وعسير.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×