تحدي القراءة العربي
كفاح حسن المطر
لا شكّ أنّ القراءة شاهد صدقٍ على تحضّر الأمّة، ووعيها بأهمية توظيف هذه الهبة الربّانية في تغذية العقول بمختلف المعارف، وسقايتها بعِبق الماضي وعِبره، وجديد الحاضر وصورِه، وآفاق المستقبل وتطلعاتِه.
من هذا المنطلق تترسخ مكانة القراءة في حياتنا؛ كونها ضرورة لابدّ منها، وليست هواية أو ترفًا يملأ مساحات الوقت الفارغة، وإنّما هي وسيلة المعرفة الأولى التي تنمي فكر الإنسان، وتبني قيمه، وتهذب سلوكه؛ ليكتمل وعيه، ويتمكن من مواجهة التحديات من حوله، واستشراف مستقبله، والتخطيط له بشكل جيد.
في هذا الإطار انبرت مسابقة مشروع تحدي القراءة العربي مشرعة أبوابها ؛ لمشاركة الطلبة من الصف الأول الابتدائي وحتى الصف الثاني عشر؛ لتغرس فيهم حب القراءة وقيم التسامح والانفتاح الفكري والثقافي، وتعزز لديهم ملكة الفضول العلمي، وتنمي مهاراتهم في التعبير والتفكير التحليلي ؛حيث يمر المشاركون من خلال بوابة التنافس القرائي بخمس مراحل تتضمن كل مرحلة قراءة عشرة كتب، وتلخيصها في جوازات التحدي، وبعد الانتهاء تبدأ مراحل التصفيات وفق معايير مصفوفة التحكيم على مستوى المدارس والمكاتب والمناطق التعليمية ثم على مستوى الأقطار العربية وصولًا للتصفيات النهائية التي تُعقد في دبي سنوياً في شهر أكتوبر.
انخراط أبنائنا في هذه المبادرة النوعية، وانضمامهم لكوكبة القراء مفخرة وطنية؛ فحري بنا أن نحفزهم على القراءة، من خلال تزويدهم بالكتب التي تتلاءم مع اهتماماتهم، وتخصيص مكان هادئ يساعدهم على التركيز فيما يقرأون، وفتح باب الحوار معهم لمناقشة محتوى الكتب؛ لتقوى مهاراتهم في الفهم والاستيعاب، وتسمو براعتهم الإبداعية من خلال اقتراح حلول جديدة للمشكلات وعناوين أخرى للكتب مدعمة بالتعليل المناسب، وتتطور قدراتهم في مجال الاستنتاج للأفكار الرئيسة والفرعية والربط فيما بينها، وتتعزز مواهبهم النقدية من خلال تحليل المواقف وإصدار الحكم على الشخصيات والأحداث ووصف أساليب الكتّاب والاتفاق معهم حينًا والاختلاف حينًا أخر.
وللمجتمع المدرسي بكافة أطيافه دورٌ في نشر ثقافة القراءة والوعي القرائي ورعاية القراء، من خلال الاحتفاء بمنجزاتهم القرائية، وتوفير فرص تدريسية مخصصة لبناء مهارات الفهم القرائي؛ باعتباره عمليةٌ متكاملةٌ يمتد تأثيرها قبل وأثناء وبعد القراءة؛ لتحقيق فهمٍ عميقٍ وبناء قاعدةٍ معرفيةٍ راسخة تتم من خلال معالجة النصوص المتنوعة بشكلٍ تحليليٍّ تستثمر فيه خبرات المتعلمين في استخلاص المعاني وتفسير الأفكار، وربط النصوص بالمعرفة السابقة، وإثراء المعارف بالمفاهيم والمفردات الجديدةٍ والمخزونٍ المعرفيٍّ الغنيٍّ، وتوسّيع فضاءات التفكير خارج الصندوق بكفاءةٍ وسهولةٍ، الأمر الذي يجعل الطالب قادرًا على فهم النصوص بسهولةٍ أكبر مستقبلًا؛ فتأثير القراءة عليه تراكميٌّ يحسّن قدراته، ويصقل مواهبه، فيزداد شغفه في التعلّم الذاتي والبحث والاستكشاف والربط بين النصوص والسياقات المعرفية المختلفة، والتوصل إلى استنتاجاتٍ مقنعة قائمةٍ على أدلةٍ موثوقةٍ.
أما رسالتي لأبنائي فرسان تحدي القراءة، استثمروا أوقاتكم، استمروا في ريِّ بساتين قراءاتكم للكتب المتنوعة، اقرأوا في بيئةٍ خاليةٍ من المشتتات، اطلبوا المساعدة إذا كان المحتوى صعبًا، تدرّجوا في القراءة بشكلٍ متسقٍ، استخدموا المصادر الإلكترونية للبحث عن معلوماتٍ إضافيةٍ، وتوضيح النصوص الصعبة، قيّموا مستويات فهمكم لما قرأتم بطرح مكتسباتكم وملخصاتكم ورؤاكم النقدية على آبائكم ومعلميكم وزملائكم، فكل ذلك سيمنحكم مزيدًا من فرص التدريب والمعالجة لما تقرأونه، ويكسبكم رؤىً جديدةً تغني تفكيركم الإبداعي والنقدي، وتفتح أمامكم مسارات لا متناهيةً للمعرفة.
ختامًا لنتكاتف معًا، فنوجه الشراع نحو بناء جيل قارئٍ، تبرز هُويته الثقافية باندماجه في شبكة القرّاء العرب الناشئين، ولنسعَ لتفعيل التواصل بينهم لبناء تجمع ثقافي عربي واعد.