“رشالا”.. قرية قطيفية مندثرة مُختصرة في “مقبرة” عُرفت في القرن التاسع الهجري.. وآخر معالمها مسجد العبدالصالح

القديح: معصومة المقرقش

الصور: جمال أبو الرحي

لو كان المؤرخ عبدالخالق الجنبي، رحمه الله، على قيد الحياة لكان أكفأ المصادر التاريخية شرحاً وتفصيلاً لموقع مقبرة “رشالا” التاريخية، ولكنه انتقل إلى العالم الأخر في قبرٍ يقع في الموقع التاريخي نفسه..

عبدالخالق الجنبي

فما هي رشالا وما هي قصتها؟

“رشالا” التي اختلف الباحثون والمهتمون في نسبتها إلى حقيقتها التاريخية في كونها قرية مستقلة سابقة أم فريقاً، تقع مقبرتها التي تضمّ في أعماق ترابها المشبع بالتاريخ الممزوج برائحة كافور علمائها وخطبائها، يعانق بقايا أكفان وتوابيت أقوام كانوا يوماً من الأيام أسلافها، قبر مؤرخنا التاريخي عبد الخالق الجنبي، جنوب قرية القديح بمحافظة القطيف بمحيطٍ يبلغ 156م ومساحة تساوي 1500م.

وتدل العيون الجوفية الأثرية على أن للقديح تاريخاً ضارباً في الأعماق. أما تاريخ جغرافيتها الحالية فيمكن إرجاعه إلى القرن الخامس الهجري، ويقال إنها نشأت بعد خراب مدينة تقع غرب القديح تُعرف بـ (القيسية) انتقل أهلها منها إلى الأرض التي عرفت أخيراً باسم القديح.

حسين منصور الشيخ

أول المصادر

ولعلّ أول المصادر التي عرّفت برشالا بحسب الباحث حسين منصور الشيخ ما ذكره الشيخ علي البلادي في أنواره، إذ يقول عنها “قرية (رشالا) بالقديح، إحدى قرى القطيف”، وعند تناول المؤرّخ والأديب الراحل محمد سعيد المسلم لبلدة القديح في كتابه عن القطيف، يتعرّض أثناء ذلك للحديث عن (رشالا)، فيقول “وإلى الجنوب [من القديح] تقع قرية رشالا، وقد اندمجت فيها “أي: في القديح” حين اتّسع العمران”، ويكتفي المسلم بهذا التعريف، ولا يذكر كيف اندثرت هذه القرية أو كيف أدمجت في البلدة الأوسع القديح.

محمد سعيد المسلم، رحمه الله

تفصيل من شرح أبيات الأديب والمؤرّخ السيد عدنان العوّامي لديه تفصيلاً عن شالا أثناء تعليقه على بيت لأبي البحر الخطّي (ت 1028ﻫ) يذكر فيه (رشالا)، وهو:

أوْ فَاقْتَلِعْ مِنْ رَشَالَا الطِّينَ متَّخِذًا
مِنْهُ الْجِرَارَ، وعِشْ فِي الخَطِّ جَرَّارَا

ويعلّق الشاعر العوامي في هامشه على هذا البيت، فيقول “الظاهر أنها محلّة في القديح، أو بجوارها، وموقعها في الجنوب الغربي منها، حيث تقع مقبرة رشالا الموجودة حاليًّا جنوب مسجد العبد الصالح، وكان بالقرب منها إلى الجنوب حتَّى وقت قريب تلالٌ صغير من الصلصال الأخضر المستعمل في صناعة الأواني الفخاري والخزف، وقد أزالتها البلدية، وردمت بها المواضع المنخفضة في القديح، ولعلّ هذه التلال هي التي يعنيها الشاعر “أبو البحر الخطي”، أمّا في الوقت الحاضر، فقد امتدّ إليها العمران، فاندمجت في القديح.

مقبرة ومسجد

وما تبقّى من هذه القرية/ السيحة حاليًّا معلمان، بحسب الباحث حسين الشيخ هما المقبرة الحالية المعروفة باسمها مقبرة رشالا، وحدودها بحدود سورها القائم حاليًّا، وهي تقع في الجنوب الغربي من القديح، ومسجد العبد الصالح الذي يقع إلى الشمال من المقبرة، ولا يبعد كثيرًا عن حدود سورها كثيرًا، إذ يفصل بينهما شارع وخمسة منازل فقط.

دلائل ووثائق

وتوقع الباحث أن قرية رشالا كانت تمتد إلى خارج سور المقبرة شمالًا إلى ما بعد حدود المسجد حاليًّا، ذلك أنّ هذا المسجد يعدّ أقدم مسجد بالبلدة، والعبد الصالح المعنيّ هنا هو الشيخ يوسف بن حسين بن أُبَيّ -من أعلام القرنين الثامن والتاسع الهجريين-، كما يوثّق ذلك الشيخ حسين القديحي (ت 1387ﻫ) في أحد دفاتر تحصيل الأوقاف المشرف عليها، إذ يقول “نخل الشَّرْيَة في القديح المتوسطة بين شَرْيَتَي الحاج مهدي الجشي، سَدِيسُها لمصالح مسجد الشيخ عبد الصّالح الكائن في فريق رشالا في القديح، ويعرف بمسجد ابن أبيّ، والظاهر أنه الشيخ الأجلّ الشيخ يوسف بن أبيّ الرشالي القديحي (ره)، والباقي بعد السُّدُس لمسجد الشيخ إبراهيم المجاور لأمّ الخنيزي، ليكون معلومًا.

ويقول في موضعٍ آخر من الدفتر ذاته “بيانُ حاصلِ مسجد الشيخ يوسف بن أبيّ الرشالي القديحي، وهو المعروف بمسجد عبد الصالح: مئة ريال وعشرون ريالًا أيضًا وصلت من يد الأكرم الحاج علي فرج.

ر ش ل

أما عن أصلها اللغوي يقول الباحث الشيخ إنّه من غير المعلوم ذلك الأصل اللغوي الذي اشتقّ منه اسم سيحة رشالا التي تكوّن مع سيحتين أخريين، هما الحليلة والقديح بلدة القديح الحالية، ذلك أن من ترجم لهذا الموضع، وهم قلّة، لم يذكروا لها تأصيلًا لغويًّا، والحال ذاته عند الرجوع إلى المعاجم العربية، إذ لا يقف المتتبّع للجذور اللغوية ما له صلة قريبة بهذه المفردة، إذ لا يجد من الجذور العربية المستعملة ر ش ل.

 

فريق لا قرية

الملا محمد علي الناصر والمعروف بأبي سيبويه، له رأي آخر فيما يخص رشالا؛ فهو يعدها حياً من أحياء قرية القديح ويقول يعود تاريخ رشالا إلى ما قبل القرن التاسع الهجري، وأن مقبرتها رشالا من أهم المدافن الضاربة في القدم، وسُميت بذلك نسبة للفريق الذي تقع فيه واسمه فريق رشالا، وكل من قال إن رشالا قرية فهو مخطيء جداً، وعلل ذلك بأنه لا توجد قرية تقوم داخل قرية واحدة.

وجهان في الكتابة

وبين أن رشالا تُكتب على وجهيين صحيحين منها بالألف الممدودة، والمقصورة رشالى، ولكن عن سبب تسميتها بهذا الاسم فهو غير معروف لدينا للآن، ماعدا أن اسمها ورد في شعر الشيخ المرحوم جعفر الخطي فقط والذي يعيب فيه على أحد المدعين للشعر.

موضع طين

وينوه أبو سيبويه بإن رشالا وفقاً لشعر الخطي كانت موضع طين مشهور يُستخدم في صناعة الأواني وعدة أمور أخرى قديماً، وكانت السكن والملاذ الأخير لعددٍ من علماء قرية القديح كالشيخ يوسف بن حسين بن أُبي من أعلام القرنين الثامن والتاسع الهجريين.

ويعدّ الشيخ ابن أُبي الشخصية العلمية الأبرز التي تحتضنها مقبرة رشالا، وإليها يُنسب ذلك أنّه عاش في الفترة التي لم تتكوّن بلدة القديح الحالية، ولذلك يعبّر عنه الشيخ حسين القديحي بِـ (الرشالي) أولًا، ثمّ (القديحي)؛ وإلى جانب العلماء دفن فيها خطباء المنابر كذلك تخليداً لذكراهم، وتكريماً لعطائهم.

ذرية الشيخ يوسف بن أبيّ

ومن الأعلام كذلك الذين دفنوا في مقبرة رشالا أولاد الشيخ بن أُبي وهما الشيخ علي والشيخ محمد، وذلك وفقاً لمحقّق كتاب أنوار البدرين عبد الكريم الشيخ على ما ذكره جدّه بأن مقبرة (رشالا) المذكورة كان فيها قبر عليه شاهد من الحجارة، عَفَّى القدم ما عليها من كتابة، وكان يقال إنّ هذا القبر هو للشيخ محمد أو للشيخ علي بن أُبيّ، عفا الله عنهما”، وهي الإشارة التي قد يفاد منها وجود أحد أحفاده من العلماء، إما أن يكون اسمه مردَّدًا بين الشيخ محمد والشيخ علي، أو أن يكون من ذريته عالمان، هما الشيخ محمد والشيخ علي، وإلى جانب ذرية ابن أبي دفن كذلك الشيخ جعفر آل طعان.

محقق كتاب “أنوار البدرين” عبدالكريم الشيخ

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×