عبدالخالق] الجنبيّ ورثاء القلم
أحمد مجيد الحلي
نقص التحقيق اليوم طرفًا من أطرافه، وسقطت ثماره الجنية، فالجنبيّ أمّة فيه.
شاءت الأقدار، واجتمعت المحن، ويعزُّ عليّ أن أدرك هذا اليوم، وأنعى فيه رجلًا قام كسهمٍ في وتر.
فالعصامية وبتر الساق لم تأخذ في نحت جسده وروحه، التي كلّما أراد أن يخمد ظلها ظهر سنا برقها بهمته العالية، وتحدّى بها كلّ سباع الأجمة.
مؤرّخٌ وأديب ومحقّقٌ لوذعي، وشاعر مجيد، يزن كلماته ومعلوماته في ميزان راجح، ففي كفة منه علم يُذكر، وفي كفة أخرى خلقٌ يُنظر.
صوته يدوي في مسامع من حضر عنده، يعطيك حلاوة لسان وطرفة، وخفة ظل وحكمة، ونكت علمٍ رسخت في عيبة مجده التليد.
فقد حفظ تاريخ البحرين والقطيف والأحساء، ونسج أوراقه من تأريخها، وحفظ أسماء الرجال والملوك والكتب والأسفار والأشعار.
ولم يرض بالقريب بل سعى في تحصيل بعيد النُسخ، ببذل الأموال وتحريك همم الرجال.
وحقق لابن المقرب وكتب عن تاريخ البحرين القديمة وزيّن الذكر بهجر، وتغنى بالقطيف.
وبذل وأعطى، وساهم وأغنى.
أتذكره في بيتي وحوله الأساطين من المحققين، كلٌّ مدّ عنقه إليه وشخص ببصره نحوه، يلتقط من درره وجواهره.
كلّنا صمت أمامه، وجذب قلمه ليسطر بيانه، فقد طغى صدى صوته في مسامعنا…
وأجمل ما ذكره في جلسته تلك ذكرياته عن زيارته الأولى للنجف الأشرف، يوم كان صبيًا مع والديه..
يا أبا طاهر نم قرير العين فنحن نتبع أثرك ونلتقط نثار علمك، فرجبٌ أصاب وأصبّ دمع عيوننا عليك.. وخلقك أغمض عينيه، ولم يعد في دليلنا الذي تزيّن بك وبأمثالك.
نم إلى رشفة العلم التي تحيي رياضك سيدي.
فشوقي إليك مذ علق المصاب في جسدك وأخذ منك..
وشوقي إليك قبل اليوم كنت أبعثه في أثير المحبة، وألح في السؤال عنك..
وشوقي إليك يصطلي اليوم هنا عند مولاك، باب مدينة العلم.
فسلام عليك وعلى مغنمك عند بارئك وشفعائك، فهناك الروح والريحان والفوز بمعالي رأفتهم.