مياه القديح الجوفية ضحلة.. والعيون المدفونة ليست آمنة تماماً 3 جيولوجيين يضعون توصيفاً لما تحت أرض المنطقة الشرقية من مكامن مائية

المرزوق: أدعو إلى مراجعة طرق دفن العيون سابقاً.. والحذر من طريقة دفن "الغُرّهْ"

الهجهوج: أغلب مكامن المياه في الشرقية عميقة.. وما حدث في القديح “انهيار أرضي”

القطيف: صُبرة، فاطمة المحسن

بعد أسبوع من الحادثة؛ ما زالت عين “الغُرّهْ” تشغل حيّزاً من اهتمام الناس، ما بين مرجّحٍ جانب السلامة ويفضّل إعادة ردمها، وبين متحمّس للإبقاء عليها بوصفها من الآثار التاريخية. وما بين الترجيحين هناك حلٌّ يمكن أن يضمن السلامة، ويحافظ على الموروث في وقتٍ واحد.

لكنّ مخاوف السلامة لا تتوقف عند عين “الغُرّهْ” وحدها، بل تمتدّ لتشمل العيون الجوفية التي دُفنت من قبل، لضمان ألّا يحدث فيها، أو في بعضها، مثل ما حدث الأربعاء الماضي.

مراجعة

المهندس جعفر حبيب المرزوق، واحدٌ من خبراء تربة المملكة، وقد أمضى أكثر من ربع قرن في حفر الآبار في مشاريع أرامكو السعودية. وهو يدعو إلى مراجعة كل العيون المدفونة في القطيف سابقاً، لاتخاذ الإجراء المناسب لضمان سلامة الناس. المرزوق يُشير إلى أن طريقة دفن عين “الغُرّهْ” لم تكن آمنة، لأنها لم تستخدم موادّ دفن مناسبة، وبالتالي؛ فإن ما حدث هو تآكل المادّة، ومن ثم انهيارها في المكمن المائي الواقع أسفل العين.

ومن خبرته في حفر الآبار والتربة يُشبّه خرّيج جامعة جنوب كاليفورنيا أيضاً العيون الجوفية بأنها ثقوب في الأرض، وتتصل هذه الثقوب بفجوات أرضية، بعضها متواصل بشكل كبير، ووضع هذه الفجوات يختلف بين موقع وآخر، فقد تتغذّى هذه الفجوات مائياً على مدى طويل من الأمطار، وقد يشحُّ الماء فيها لقلة ـ أو انعدام ـ التغذية. وفي حالة تجمّع المياه فيها؛ فإنها تصعد إلى الأعلى، إلى العين فتجري المياه. أما حين تكون العين مدفونة بمواد رملية أو طينية أو مواد قابلة للتآكل؛ فإن كل هذه المواد تسقط في “الثقب”. وهذا ما حدث في عين “الغُرّهْ”.

وعلى هذا؛ فإن العيون الأخرى؛ إذا كانت مدفونة بالطريقة نفسها؛ فإن وضعها لا يمكن أن يكون آمناً تماماً. ولذلك؛ يؤكد المرزوق دعوته إلى مراجعة العيون الأخرى لتأمينها. فهناك مياه جوفية بدليل ما حدث في العين.

آل زواد: 15% من أرض البلدة تتكون من قاع ضحلة ذات واجهة ترابية

زمن جيولوجي

المياه الجوفية يشرحها الجيولوجي جميل عبدالهادي الهجهوج، وهو خريج جامعة نبراسكا الأمريكية ١٩٨٤م، ومتقاعد أرامكو السعودية. وهو يقول إن المياه الجوفية هي نتاج تجمع مياه الأمطار ـ عبر الزمن الجيولوجي ـ تحت سطح الأرض وفي طبقات صخرية (رملية أو حجر جيري) ذات مسامات، ومحاطة من الأسفل والأعلى بطبقات غير مسامية (طينية او حجر جيري صلب).

ويشرح الهجهوج أن هناك “نوعين من المياه الجوفية: النوع الأول هو المياه العميقة التي تقع على بُعد مئات من الأمتار. والنوع الثاني يقع على عمق عشرات الأمتار، وكلاهما يتاثر بكمية هطول المطر بطرق مختلفة”.

يضيف “المياه الضحلة (الوديان) تتجاوب مباشرة مع المطر بسبب كونها قريبة من سطح الأرض وتسرب مياه المطر مباشرة فيها. أما العميقة، فتأثير الأمطار فيها مرتبط بعامل الزمن (مئات أو آلاف السنين) لكون الطبقات بعيدة عن السطح وتسرب مياه الأمطار يأخذ وقتاً أطول ليصل الى المكمن المائي”.

مياه القطيف

وعن مياه المنطقة الشرقية يقول الهجهوج إنها “تنتمي الى النوع الثاني العميق، وبالتالي فإن تأثير المطر فيها يكون محدوداً جداً، ولا يلاحظ إلا بعد مئات السنين، وليس بالأيام بسب كون منبع الشحن (Recharge Area) بعيداً عنها، إذ يقع في المنطقة الوسطى من المملكة، وعلى عمق أكثر من المياه الجوفية الضحلة”.

الطبقات الارضيهتبين مصدر المياه للمنطقه الشرقيه

ما حدث في الغُرّهْ

ولشرح ما حدث في عين “الغرة”؛ يرى الهجهوج أن “الأمر طبيعي ويمكن تفسيره بحدوث ما يعرف بـ “انهيار أرضي” (Sinkhole or Karsting)”. يضيف “هذا الحدث نتيجة عاملين في آن واحد وهذا يحصل في مناطق شبيه لمنطقتنا ذات طبقات مكونة من الحجر الجيري (Limestone). العامل الأول هو الأمطار، والعامل الثاني هو طبقة (طبقات) الحجر الجيري. فمياه المطر تتسرب الى طبقات الحجر الجيري عبر المسامات والتشققات الطبيعية في الطبقات، وتتفاعل معها وتزيد من ضعف هذه الطبقات الى أن تصل الى انهيار محلي محدود”.

ظاهرة موجودة

ويقول الهجهوج إن “أمثال هذه الظاهرة موجودة في الخرج ومناطق أخرى في المملكة، وفي روسيا، ةالصين، ولويزيانا الأمريكية، وغواتيملا الواقعة في أمريكا الجنوبية، ومناطق أخرى من العالم”.

انهيار أرضي في محافظة الخرج

أما موضوع ارتفاع مستوى المياه الجوفية في منطقتنا في أوقات الأمطار، فهذا “أمر محدود جداً بسبب بُعد منبع الشحن للمياء الجوفية الموجودة في المنطقة الشرقية”.

لكن الجيولوجي الهجهوج يرى أن نزول المطر ليس له تأثير مباشر في ارتفاع منسوب المياه في المنطقة عامة، إلا في أماكن معينة، لربما بسبب وجود بعض التشققات الأرضية في الطبقات، وهذه تساعد في رفع مستوى المياه في هذه الأماكن، ومنها ـ مثلاً أو ربما ـ عين “الغرة”. آما باقي وأكثر عيون المنطقة فليس هناك أي ملاحظات في ارتفاع مستوى المياه فيها”.

يضيف “يقدر عمر مياه المنطقة الشرقية بآلاف السنين (historical water) حسب التحليلات الكيميائية التي أجريت في هذا الموضوع”.

الأمطار الغزيرة

ولتقريب الصورة أكثر؛ وضعت الجيولوجية داليا آل زواد توصيفاً آخر.. بقولها “تتكون بلدة القديح من طبقات صخرية صلبه مكدسة تشكل بما يقارب ٧٥٪ من أرضها و١٥٪ من أرضها تتكون من قاع ضحلة ذات واجهة ترابية. وعند هطول الأمطار في المواسم، تتسرب مياه الأمطار إلى داخل الارض من خلال تشققات صغيرة وتصل إلى الطبقات الصخرية، ومن خلال الواجهات الترابية. وبالتالي تـُكوِّن ما يسمى بالمياه الجوفية أو العين”. تضيف “كلما زاد هطول الأمطار الغزيرة؛ زاد تخزين المياه داخل الوحدات الجيولوجية، ثم يرتفع منسوب المياه الجوفية”.

وتقول “مع اختلاف موسم الأمطار في المملكة، يتم ما يسمى بـ “التخزين البطيء” للمياه في باطن الأرض والواجهة الترابية الصخرية. وبسبب عدم هطول الأمطار في فصل الصيف أو هطولها بشكل خفيف جداً، يتم تخزين المياه بشكل بطيء إلى ان تتكون المياه الجوفية أو العين”.

جعفر حبيب المرزوق

  • 25 سنة في حفر الآبار في مواقع أرامكو في اليابسة والمناطق المغمورة.
  • خريج جامعة جنوب كاليفورينيا، أمريكا 1987.
  • متقاعد.

جميل عبدالهادي الهجهوج

  • بكالوريوس جيولوجيا، جامعة نبراسكا، أمريكا ١٩٨٤م.
  • باحث بترولي.
  • متقاعد من أرامكو السعودية.

داليا محمد نور آل زواد

  • بكالوريوس في الجيوفيزياء وعلم الرياضيات، جامعة هيوستن.
  • جيولوجية في شركة هاليبورتون.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×