القطيف ورثت 4 خرافات في ليالي القمر المستذئب والذكر و "السلعو" وأيام النحس
القطيف: معصومة المقرقش
لايزال القمر يشكل إلهاما للشعراء والعشاق، كما كان مصدراً للمعتقدات والأساطير لدى الإنسان في مختلف الثقافات وعلى مر الأزمنة، خاصة أنه يظهر في الليل الفترة التي توقظ الخوف في نفوس الكثيرين، وفق المتخصصين في الأساطير.
وتربط كثير من الأساطير الشعبية القديمة بين القمر المكتمل والأفعال البشرية الشريرة، غير أن باحثين وعلماء أكدوا عدم صحة هذه الفرضية التي تقول إن القمر المكتمل يجعل الناس أكثر غضباً وعنفاً .
وتتجلى الأساطير القديمة في حكايات المستذئبين وغيرهم الذين يتحولون من الحالة البشرية إلى الحالة الذئبية عند اكتمال القمر، وهي الحكايات التي عالجتها السيتما العالمية في عشرات الأفلام.
وفي ما يلي، نستعرض 4 من أبرز الخرافات المتداولة قديما في القطيف وكانت تعد كنوع من الحكايات والسوالف الثقافية في تلك العصور.
قصص مرعبة
في البداية يتحدث الباحث عبد الرسول الغريافي لـ”صُبرة” قائلا: تداول الناس في محافظة القطيف قديماً قصصاً مرعبة عن ليلة اكتمال القمر، كتلك الحكاية الشعبية التي تقول إنّ فلاحاً في إحدى ليالي اكتمال القمر ذهب لسقي بستانه بمفردة، وبينما هو يهم ببدء عمله، هاجمه حيوان مفترس ففر هارباً، وفي صباح اليوم التالي انتشر في القرية خبر مفاده أنّ رجلاً غريباً تسلل لقريتهم ليلاً متحولاً لـ “سعلو” متعطشاً للدماء يهاجم الفلاحين داخل مزارعهم، ويخطف رضعهم من عششهم، بعد أن يغرس اظافره في أجسامهم الصغيرة”..
وبعد شيوع هذه الحكاية المخيفة تجنب الفلاحون ليالي إبدار القمر من كل شهر عربي الخروج، لسقي بساتينهم أو قضاء حاجياتهم التي يؤجلونها حتى صباح اليوم التالي، أي بعدما يعود المتحول إلى إنسانٍ بشري مجدداً.
أو تلك التى تصب أغلبها عن تحول رجل غريب إلى حيوان شرس؛ على غرار اسطورة الإغريق اليونانيين القدامى عن المستذئب، وهو ذلك الإنسان الذي يتحول ليلاً عند اكتمال القمر إلى مخلوق يشبه الذئب الضخم والمفترس، يجوب الأزقة والشوارع بحثاً عن ضحاياه حتى يأكلها، وفي النهار يعود إنساناً بشرياً.
عبد الرسول الغريافي
وشاع هذا الاعتقاد لحقب زمنية عديدة في القطيف قديماً، بحسب ما تحكيه الجدات أنه في تلك الليلة تؤثر قوى على بعض البشر، تجعلهم يتحولون من هيئتهم البشرية إلى حيوانات ت”السعالي”، وهي في الأصل مخلوق حقيقي ومفرده “سعلاة” وهو حيوان هجين ينتج من بين حيوانين مختلفين كالكلاب والثعالب أو غيرها وهو حيوان يمتاز بالذكاء والشراسة، وله عادات في مراقبة الإنسان ومحاولة تقليده في المشي، وتقليد صوته وله القدرة على مراقبة الناس الذين تسكنون في النخيل سابقاً في العشيش، حيث يتسلل وقت غيابهم، ويخطف الحيوانات الأليفة لافتراسها؛ بل وصل الحدّ إلى درجة خطف الأطفال الرضع.
اعتقاد لا يخلو من الصحة
ويضيف الغريافي، إنّ للحيوان كذلك القدرة على التظاهر بالموت حين يداهمه الخطر فقد كان يشكل موضع هلع وقلق للفلاحين، لذا تحاك حوله الأساطير والخرافات؛ حيث يعتقد البعض بأنه من الجان أو العفاريت، وأن له القدرة على الاختفاء ليتمكن من المرور على البشر دون رؤيته، وأنه يتكلم ويتحدث كالإنسان، وإنه يأتي لبعض الأشخاص أثناء نومهم ليحاكمهم على مطاردته أو محاولة إيذائه على شكل كابوس وأن له أظفار قوية وطويلة يهاجم بها البشر والحيوانات ويغرزها في اجسامهم وهذا الاعتقاد لا يخلو من الصحة إذ أنه حين يتشاجر شخصان وخصوصاً النساء ويحدث بينهنّ مناوشات بالأيدي وتصاب إحداهن بجروح من أظافر الأخرى فإنها تشبه أظفار خصيمتها باظفار السعالي.
لا زواج ولا إيقاع عقد
أما الباحث سلمان الرامس فيلفت الانتباه إلى أن القمر منذ الأزمان البعيدة كان محط أنظار الناس وارتبطت به الكثير من الأفكار دون أي مستند علمي، مشيراً إلى أن سكان القطيف كانوا يظنون أن لاكتمال القمر أثراً في جسم الإنسان، خاصة العقل ويزيد حالة الجنون عند المجنون مثلاً، وهذا ليس محصوراً على شعوب المنطقة، ويبدو أن الكثير من شعوب العالم تربط بينها وبين اكتمال القمر العديد من القصص والأساطير والمعتقدات.
ويضيف، أن عموم سكان محافظة القطيف منذ قديم الأزل كانوا لا يعقدون قرانهم والقمر مكتملٌ بدراً، معللين وتوصف بعض أيام الشهر بأنها أيام نحسة، وهي المعبَّر عنها بالأيام الكوامل، وهي الأيام: 3، 5، 13، 16، 21، 24، 25 من كل شهر عربي، وبعض من يصدق هذه الأمور يكره الزواج أو إيقاع العقد والقمر في برج العقرب.
أيام النحس
وبعيداً عن حكاية المتحول، وليالي النحس، يُلفت الباحث محمد إبراهيم خان إلى أنّ أهالي المنطقة الشرقية في عموهم لديهم عادات وتراث قديم مرتبطٌ باكتمال القمر، ومن تلك العادات وإلى عهد قريب، وقبل استخدام مكيفات الهواء، كان الناس ينامون على أسطح المنازل، فعندما يكون القمر بدراً، تكثر “الحزاوي ـ الحكايات” ما بين العائلة الواحدة، فيستمعون إلى الجدة لتروي لهم قصصاً عاصرتها، أو قصصاً خرافية متداولة، فمن تلك القصص المضحك والمسلي، ومنها ما يبعث الخوف لتجعل الأطفال ينامون مبكراً، فقد تقول لهم هذا صوت “السعلو”، أو تخوفهم بـ”أم السعف والليف” وسوالف “أم حمار”.
ويُشير خان إلى أن أبناء الحي الواحد كانوا يجتمعون عند اكتمال القمر، ويلعبون على ضوئه لعبة “الظلالوه”، وهي لعبة بأن يصطف الصبيان صفاً واحداً بين كل واحد منهم حوالي متر، ثم يقوم أحد الصبية برمي حجر، فإذا وقعت على ظل أحدهم فإن عليه ملاحقة الجميع حتى يتم اصطيادهم واحداً تلو الآخر.
وهناك لعبة أخرى، لها عدة مسميات منها “الصيّيدة” أو “دور ياهوو”، بأن يكون هناك مكان وهو عبارة عن عمود أو جدار يحدد من قبل المجموعة كمحل أمان إذا وصله المختبئ قبل الإمساك به أو لمسه، فيقع الاختيار على أحد الصبية من مجموعة من الصبيان، بأن عليه ملاحقة جميع أفراد المجموعة المختبئين والهاربين في أماكن متفرقة ضمن حدود الحي والمتفق عليه مسبقاً، وأن عليه أن يمسكهم أو يلمسهم واحداً تلو الآخر من أفراد المجموعة.
ليلة شعر وسمر
وكانت نسوة الحي ـ كما يقول الباحث ـ يخرجنّ إلى ساحة قريبة من الحي ليلة اكتمال القمر، أو على ساحل البحر “السيف” ويأخذن معهن دلال القهوة والشاي والتمر، فيتسامرنّ مع بعضهنّ إلى ما قبل منتصف الليل، منوهاً بأن رجال الحي كانوا يفعلون الشيء نفسه، يتسامرون بالحديث عن القصص القديمة، وما مر عليهم من أحداث حلوها ومرها، ومصاعب في العمل سواء في مهن الزراعة، وصيد السمك، والغوص، ورعي الماشية، ويرددون بعض الأشعار والقصائد التي يحفظونها أباً عن جد.
القمر الذكر والأسنان اللبنية
ويقول الباحث الفلكي خالد الزعاق، أن العرب قديماً كانت لديهم علاقة حسية مع القمر، كونه دليل الحساب ورمز الجمال لديهم، فنسجوا حياله الكثير من الأساطير والقصص التي أصبحت بعضها من عاداتهم وتقاليدهم، ومن أهم تلك الأساطير انهم كانوا يعدون القمر ذكراً لا يجوز للنساء أن يظهرنّ مفاتهنّ أمام جمال ضوئه؛ بل أيضاً لا يجوز للمرأة في ليالي حدادها على وفاة زوجها أن تخرج ليلة اكتماله إلا متحجبة أو متغطية حتى لا يراها القمر، باعتباره رجلاً كما جرت بعض العادات أن لا يُدفن الميت ليلاً والقمر بدراً في اعتقادهم السائد أن القمر قد يطلع على الميت.
ويختتم الزعاق حديثه بقصةٍ أخرى كانت منتشرة بأن الأطفال قديماً كانوا إذا قلعوا اسنانهم اللبنية في النهار أخذوها نحو الشمس قائلين: اللهم أجعله سن عزالاً ولا تجعله سن حماراً، أما إذا كان وقت التقليع ليلاً استقبلوا اسنانهم المقلوعة نحو القمر.