المصريون يحتفلون بذكرى وصول رأس الحسين من عسقلان فلسطين اسبوع كامل من حلقات الذكر والابتهالات.. وإطعام لزوار مجاناً
.. وسط هتافات "نحن في ساحة الحسين نزلنا"
القاهرة: صُبرة
اختتم الآلف المصريين أمس الثلاثاء احياء ذكرى استقرار رأس الحسين، عليه السلام، حيث الثلاثاء الأخير من شهر ربيع الآخر، وهو ما يسمى بالليلة الكبيرة، أو “الليلة اليتيمة” ذلك لأن العادة جرت هناك على الاحتفال به ثلاث مرات خلال السنة.
وشهدت الطرق والشوارع المؤدية لمسجد الأمام الحسين زحاماً شديدًا لحركة مرور السيارات، نظرا للأعداد الكبيرة التى توافدت لاحياء الليلة الكبيرة.
ومنذ الخميس الماضي توافد الآلاف من المريدين بمختلف المحافظات إلى ساحة مسجد الحسين، لاحياء تلك الذكري، وامتلأت ساحات المسجد والمناطق المحيطة بالآلاف الذين أتوا من الصعيد والدلتا والمدن والقري في مشاهد فريدة من نوعها، وإنتشرت خيام المحتفلين من أول منطقة الدراسة، ومقابر الغفير، وباب الشعرية، ومقابر باب النصر، وفي شارع المعز لدين الله الفاطمي، والجمالية، ومنطقة خلف المسجد الأزهر الشريف، ومنطقة الدرب الأحمر.
وانتشر الباعة حول المسجد باعة كل شيء حلوي وحمص وألعاب وهدايا ومأكولات، وطراطير وألعاب، وأوشحة “حبيبي يا رسول الله” و”أنا من حسين وحسين مني” و”مولد سيدنا الحسين” و”القدس لنا” و”فلسطين في القلب” ومرددين هتاف “نحن فى ساحة الحسين نزلنا.. فى حمى الله من أتى لحسينا”.
إطعام مجاني
وبمجرد تجولك فى الشوارع المحيطة تري اللافتات الموجودة على خدمة كل طريقة أسماء أصحاب تلك الخدمات واسم الطريقة التي ينتمون إليها ومن أين أتوا وكل لافته لها لونها الذي يعبر عن اللون المميز للطريقة الصوفية، ويتم تقديم الطعام والشراب لزوار الإمام الحسين وغيرهم من عابري السبيل حتى سكان تلك المناطق التي بها تلك الخدمات يفضلون الأكل والشرب من تلك الخدمات كنوع من البركة تعودوا عليها وتوارثوها من آبائهم جيلا بعد جيل.
وكذلك تستطيع أن تفرق للوهلة الأولي الأماكن التي قدم منها الكثيرون منهم من شكل الملابس، فهذا أتي من الصعيد، وذلك أتي من الأرياف وآخرين من المدن، ما بين جالس ومصلٍ ومضطجع اختلفت الأحوال بين الصلوات في داخل المسجد وخارجه في الساحة.
زحام شديد
وفي داخل مقام سيدنا الحسين، كان الزحام على أشده، تدخل من باب وتخرج من الآخر، بينما كان بعض الموجودين ينشدون أغنيات في حب مولانا الإمام الحسين “سيدنا الحسين يا ابن الأكرمين.. زين العابدين يا سيدنا الحسين”.
وحول المسجد في منطقة الجمالية والحسين انتشرت في الحواري والأزقة والعطفات أماكن خدمة الطرق الصوفية المختلفة، وهى أماكن خيام للاستراحة وأخري مخصصة للطبخ.
وفى مكان خدمة سيد الشرباتلي، شيخ الطريقة الرفاعية والقادم من ديرب نجم بمحافظة الشرقية للاحتفال في القاهرة، كان هناك الإنشاد على العود والطبلة مع غناء: “أنا ضيفك يا رسول الله، مشتاق يا نبينًا أزورك، أنا رايدك يا رسول الله، أنا ضيفك يا حبيب الله أنا ضيف الله”.
وفي الليل كانت الاحتفالات بقراءة القرآن الكريم ثم قراءة الأحزاب والأوراد الخاصة بالشيخ التابع له صاحب الخدمة كالرفاعى والبدوى والدسوقى وغيرهم من المشايخ ثم تبدأ حلقات الذكر التي تستمر حتى فجر الصباح الجديد وكل طريقة لها لون خاص في طريقة الاحتفال.
وجاءت خدمة الشيخ مصطفي عزارائيل، شيخ الطريقة الرفاعية أيضا من محافظة الشرقية إلى منطقة الحسين منذ يوم الخميس الماضي لإحياء مولده، حيث يتم إقامة حلقات الذكر والإنشاد، وإطعام الطعام للزوار ومن حضر من ضيوف مولانا الحسين، وقراءة الأحزاب والأوراد، وتحدث في الحلقة الشيخ مصطفي غلمش، والذى قال: “نحن لا نحيي ذكري مولانا الحسين ولكن ذكراه التي تحيينا، وأولياء الله أحياء بيننا، وهو الثائر الحق مولانا الإمام، والذي نحبه، “فمن آذي لي وليًا فقد آذنته بالحرب”، كما يقول الحديث القدسي.
3 احتفالات سنوية
يحتفل المصريون، بمولد الإمام الحسين 3 مرات كل عام، الأولى في شهر شعبان، وهي ذكرى يوم ميلاده الشريف في 3 من شهر شعبان عام 4 للهجرة في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسلم، بعد نحو عام من ولادة أخيه الإمام الحسن رضي الله عنه، فعاش مع جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ما يزيد عن الست سنوات.
وهذا يعتبر المولد الأول، الذي يقيمه أهل مصر لمولانا الإمام الحسين رضي الله عنه، ويقام فيه احتفالات في العراق والشام ومحافظة القطيف في السعودية، كذلك وغيرها من الدول العربية.
أما المولد الثاني، وهو الذي يوافق هذه الأيام، فيقام في الأسبوع الأخير من شهر ربيع الآخر، وهي ذكرى وصول الرأس الشريف للإمام الحسين من عسقلان في فلسطين إلى مصر واستقرارها، وذلك في عهد الدولة الفاطمية، ولذلك قصة.
والإحتفال الثالث، ويأتي في إحياء ذكري استشهاده في 10 من المحرم بعد موقعة كربلاء عام 61 هـ، عندما اجتز شمر بن ذي الجوشن، لعنه الله عليه، رأس الإمام الحسين وذهب بها إلي يزيد بن معاوية في الشام لينال مكافأته بولاية إحدي المدن الإسلامية، فأمعن يزيد في فحشه وعلق الرأس الشريفة للإمام الحسين على أبواب دمشق ليزيد الناس إرهابا، وبعدها تظل الرأس بخزائن السلام بدمشق بعد وفاته لتنقل وتستقر كما ذكر المؤرخون بعسقلان لمدة خمسة قرون.
واستشهد الإمام الحسين وله من العمر سبعة وخمسون عامًا، في يوم الجمعة أو السبت الموافق العاشر من المحرَّم في موقعة كربَلاء بالعراق، عام واحد وستين من الهجرة.
ويختلف الطابع الإحيائي للمناسبات من دولة لدولة، ففي العراق والقطيف فى السعودية تقام مجالس العزاء في ذكرى عاشوراء، ويكون هو الاحتفال الرئيسي بالإمام الحسين، أما في مصر فيكون الاحتفال الرئيسي بذكرى استقرار رأس الإمام الحسين بمصر، ويغلب على الاحتفال الطابع الاحتفالي للتعبير عن فرحة المصريين بقدوم الإمام الحسين لمصر.
قصة وصول رأس الحسين
جاءت رأس الحسين إلى القاهرة من عسقلان الفلسطينية على يد الفاطميين، وذلك بعد الحروب الصليبية حول بيت المقدس، وقد استغل الفاطميين علاقتهم الجيدة بالصليبيين فاشتروا رفات رأس الحسين بـ 30 ألف قطعة ذهبية.
وممن ذهب إلى دفن الرأس الشريف بمشهد القاهرة المؤرخ العظيم (عثمان مدوخ)؛ إذ قال في كتابه: “إن الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد تزار: مشهد بدمشق دفن به الرأس أولًا، ثمَّ مشهد بعسقلان بلد على البحر الأبيض، نقل إليه الرأس من دمشق، ثمَّ نقل إلى المشهد القاهري لمصر بين خان الخليلي والجامع الأزهر”، ويقول المَقْرِيزِيُّ في تاريخه: “إنَّ رأس الحسين رضى الله عنه نقلت من عسقلان إلى القاهرة في 8 جمادى الآخرة عام 548هـ، وبقيت عامًا مدفونة في قصر الزمرد حتى أنشئت له خصيصًا قبة هي المشهد الحالي، وكان ذلك عام 549هـ”.
رحلة نقل “رأسه” إلى مصر
وتعود رحلة نقل رأس “الحسين”، بمصر إلى قصة طويلة، عندما تزينت مصر وتجملت وأضيئت المصابيح شوقًا لحضور رأس “الحسين” حفيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فعندما جائت الحملات الصليبية إلى بلاد العرب وكانوا ينبشون القبور المعظمة عند المسلمين خشي الوزير الفاطمي ذو الكلمة النافذة حينها الصالح طلائع على الرأس الشريفة للإمام الحسين أن يمسها الصليبيين بسوء، فأوعز النصح للخليفة الفائز وأجزل فى نصحه له بالتفاوض مع بلدوين الثالث قائد الحملة الصليبية على عسقلان بدفع مبلغ مالى كبير مقابل الحصول على الرأس الشريفة وإعادة دفنها بمصر.
وذهب الأمير الأفضل ابن قائد الجيوش بدر الدين الجمالي إلى عسقلان ووقف على قبر الإمام الحسين حتى استقر عند الرأس الشريفة فحملها على صدره من عسقلان فى يوم الأحد الثامن من جمادى الآخرة لتصل يوم الثلاثاء العاشر من نفس الشهر الموافق العام 548 هجريا الموافق 31 أغسطس عام 1153 ميلاديا، وقد سار بها في موكب مهيب تقشعر له الأبدان وتخلج له جنبات الصدور وتنتشي بعزته كل فخور فرحا بنقل الرأس الشريفة إلى مصر المحروسة التي كانت وستظل إلى أبد الآبدين كنانة آل بيت رسول الله في الأرض.
وتقديرًا وحبًا من المصريين لأهل البيت وللإمام الحسين رضي الله عنه استقبل المصريون الرأس الشريفة للإمام الحسين عند وصولها لمصر بخلع نعالهم حتى لم يكن بينهم مرتديا لنعله.
وما مرت الرأس الشريفة بقرية أو بلده إلا واستقبلها المصريون بالورود والعطور والفرح والبشر والسرور، ومن كرامات وصول الرأس الشريفة انتشار رائحة المسك منها في كافة الأرجاء التي مرت بها حتى أن الحارة المجاورة لمسجد الصالح طلائع والتي مرت بها الرأس الشريفة لتدخل ساحة المسجد التي دفنت بها الآن فإذا بأهالى الحارة يستنشقون عبير المسك فى بيوتهم وأمتعتهم، ومنذ هذه اللحظة وحتى يومنا هذا يطلق عليه الجميع حارة المسك.
احتفالات الطرق الصوفية
واختتمت الطرق الصوفية، احتفالاتها بذكرى استقرار رأس الحسين عليه السلام، بعد احتفالات استمرت نحو أسبوع، إذ تؤكد الروايات التاريخية وصول الرأس الشريف إلى موضعها الحالى، فى الثلاثاء الأخير من شهر ربيع الثانى، حيث بلغت الاحتفالات ذروتها بمجالس الذكر والمديح وكلمات العلماء عن فضل آل البيت، فيما يواصل آلاف الزائرين زيارة ضريح الإمام الحسين، كما تقدم الخدمات المأكل والمشرب للزائرين، حيث سيطرت الأكلات الشتوية فقد قامت الخيام بتقديم الاكلات المختلفة وذلك تبعا للعرف والثقافة، حيث هناك خدمات ينتسب أصحابها لصعيد مصر وأخرى للوجه البحرى.
ويتميز حي الحسين التاريخي باحتضانه مسجد ومقام الإمام الحسين، والذي خضع مؤخرا لعملية ترميم كبيرة، والذي يتمتع بمكانة خاصة لدى المصريين، إذ يعتبر بمثابة “القبلة الثانية” للقاهرة بعد الجامع الأزهر، ويقام له مولد سنوي في هذا الحي.
ويعد مسجد الحسين من أهم المزارات السياحية الدينية، إذ يتوافد عليه السياح من جميع أنحاء العالم، ويتزين خلال الاحتفالات الدينية المختلفة مثل شهر رمضان، المولد النبوى، مولد الحسين، بالأنوار وأنواع الزينة المختلفة، ويقام فيه حلقات الذكر من ابتهلات وتوشيح والتي تضفي نفحات روحانية فريدة من نوعها.
ويعود تاريخ بناء مسجد الحسين إلى عهد الفاطميين عام 1154م، كما أنه يحتوي على العديد من المقتنيات الإسلامية المهمة مثل قطعة من قميص النبي محمد صلي الله عليه وسلم، وقطعة من عصاه ومكحلته وشعرتين من لحيته، بالإضافة إلى نسختين من المصاحف بالخط الكوفي أحدهما بخط يد الخليفة عثمان بن عفان، والآخر بخط يد الخليفة على بن أبي طالب، وتم تسمية المسجد بهذا الأسم نسبه لضمه رأس الإمام الحسين.