شخصية حميد بن مسلم الأزدي الكوفي [5]
(3) روايته لأحداث وأقوال تخالف توجهه:
ومن مؤيّدات مصداقية حميد بن مسلم حرصه على رواية الأحداث الكربلائية وإن كانت مخالفة لخطّه الأموي، ومن أمثلة ذلك:
– روايته لدعاء الإمام الْحُسَيْن (ع) على جيش عمر بن سعد، إذ يروي عن الإمام هذا المقطع من الدعاء: «اللَّهُمَّ أمسك عَنْهُمْ قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض، اللَّهُمَّ فإن متعتهم إِلَى حين ففرّقهم فِرَقًا، واجعلهم طرائق قِددًا، وَلا تُرْضِ عَنْهُمُ الولاة أبدًا، فإنهم دعونا لينصرونا، فعدوا علينا فقتلونا». ومع أنّ هذا الدعاء يشمله، باعتباره أحد أفراد جيش عمر بن سعد، إلَّا أنه رواه كما تحدّث به الإمام. وروايته لهذا الدعاء، خاصّة، يعدّ مؤشّرًا قويًّا على تحلي حميد بن مسلم بالصدق فيما روى عن هذه الحادثة المؤلمة.
ـــ ويُضاف إلى روايته لهذا الدعاء، ما رواه من الأحداث التي يُمتدح فيها الإمام الحسين (ع) وأنصاره (رض)، ويُذمّ فيها معسكر عمر بن سعد، ويتبيّن من خلالها بأن هذا الأخير طرف يمثّل الباطل فيما يمثّل الإمام الحسين الطرف المُحِقّ، وأن مجموع هذه الأحداث تُظهر مقدار الظلم الذي وقع على عترة أهل البيت (ع) من جهة، وتُظهر، من جهة أخرى، مقدار ما تحلّوا به من فضائل وصفات أخلاقية سامية. وهذا دليل ناصع على وثاقته وصدقه في الحديث.
(4) تأييد المصادر الأخرى لكلمات المؤرخين:
وما يرجّح وثاقة حميد بن مسلم أيضًا تأييد المصادر التاريخية والروائية الأخرى التي تناولت واقعة كربلاء فيما رواه من أخبار. فهذا ابن عساكر في تاريخ دمشق يعقد مجلدًا خاصًّا من كتابه (تاريخ دمشق) عن الإمام الحسين (ع)، نقل طرفًا من وقائع الفاجعة الكبرى بأسانيد متصلة، إذ نقل بأسانيد عديدة حادثة مطر السماء دمًا وأنه لم يُرْفَعْ حجرٌ إلاّ ورُئِيَ تحته دمٌ عبيط، إلى غير ذلك من مصادر الفريقين. كما ينقل الشيخ الصدوق في أماليه مقتلًا كاملًا بأسانيد متصلة الى أئمة أهل البيت (ع). وقد اشتملت كتب الأحاديث عنهم (ع) على مشاهد مؤلمة عن الواقعة وردت في روايات حتى فيما يخصّ الأحكام الشرعية، مثل كتاب: وسائل الشيعة، هذا فضلاً عن كتب التراجم من الفريقين وغيرها مما يطول ذكره في المقام.
وقد اشتركت هذه المصادر مع كثيرٍ ممّا رواه حميد بن مسلم، كما انفرد حميد برواية بعض التفاصيل التي لم ترد عن سواه، وبخاصّة ما يرتبط برواية مصارع الشهداء (رض). وفي ذلك دلالة مهمّة على وثاقة هذه المرويات.
روايات منسوبة إلى حميد بن مسلم
لم تسلم مرويات حميد بن مسلم من الإضافات والزيادات والتحريفات، وهو ما يمكن اكتشافه من خلال المقارنة بين روايته للحادثة الواردة في تاريخ الطبري والرواية ذاتها الواردة في كتاب أسرار الشهادة للدربندي، ومثالًا على ذلك نذكر روايته لمصرع القاسم بن الحسن (ع):
(تاريخ الطبري)، ج4/ 341، عن حميد بن مسلم، قَالَ: «خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر، فِي يده السيف، عَلَيْهِ قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما، ما أنسى أنها اليسرى …».
(أسرار الشهادة)، ج2/ 379، عن حميد بن مسلم: «إن الحسين (ع)، بعد قتل أصحابه، جعل ينادي: (واغربتاه، وا قلة ناصراه، أما من معين يعيننا؟، أما من ناصر ينصرنا؟، أما من ذابٍّ يذبُّ عنا؟)، فخرج إليه غلامان كأنهما القمران، أحدهما أحمد والآخر القاسم ابن الحسن (ع) وهما يقولان: لبيك لبيك، مُرْنَا بِأَمرك صلوات الله عليك … إلخ».
وقد توسع الدربندي أكثر في هذه القصة بقوله، ج2/ 383: «عن حميد بن مسلم، قال: لما قال الحسين (ع) لابن أخيه أحمد ما قال، قاتل حتى صار يخبط الأرض بعثارته وينكمش، ويجوب يمينًا وشمالًا من العطش، هذا والحسين (ع) ينظره ويبكي، فسمع بكاء علي بن الحسين من أبيه (ع)، فخرج يعثر في أذياله … إلخ».
وما يمكن الخروج به من هذه المقارنة بين هذين المثالين ضرورة التريّث في قبول المرويات المنسوبة إلى حميد بن مسلم في بعض المصادر الحديثة، وبخاصّة ما كتب منها بعد القرن العاشر الهجري، حيث كثرت كتب المجالس العاشورائية التي اعتمدت في كثير منها على مرويات شفهية لا يمكن الوثوق بها كما هي الحال مع المصادر التاريخية والروائية المعتمدة.
الأحداث التي رواها الطبري، وهو المصدر الأساس لنقل روايات حميد بن مسلم
1- «عن حميد بن مسلم الأَزْدِيّ، قَالَ: جَاءَ من عُبَيْد اللهِ بن زياد كتاب إِلَى عُمَر بن سَعْد: أَمَّا بَعْدُ، فَحُلْ بَيْنَ الْحُسَيْن وأَصْحَابِهِ وبَيْنَ الماء، وَلا يذوقوا مِنْهُ قطرة ..».
2- «عن حميد بن مسلم، قَالَ عَبْد اللهِ بن أبي حصين الأَزْدِيّ: يَا حُسَيْن، أَلا تنظر إِلَى الماء كأنه كبد السماء؟!، وَاللهِ، لا تذوق مِنْهُ قطرة حَتَّى تموت عطشًا، فَقَالَ حُسَيْن: اللَّهُمَّ اقتله عطشًا، وَلا تغفر لَهُ أبدًا ..».
3- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: ثُمَّ إن عُبَيْد اللهِ بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن فَقَالَ لَهُ: اخرج بهذا الكتاب إِلَى عُمَر بن سَعْد، فليعرض عَلَى الْحُسَيْن وأَصْحَابه النزول عَلَى حكمي، فإن فعلوا، فليبعث بهم إلي سِلْمًا ..».
4- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: وزحف عُمَر بن سَعْد نحوهم، ثم نادى: يا ذويد، أَدْنِ رايتك، قَالَ: فأدناها، ثُمَّ وضع سهمه فِي كبد قوسه، ثُمَّ رمى فَقَالَ: اشهدوا أني أول من رمى ..».
5- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: قلت لشمر بن ذي الجوشن: سبحان الله!، إن هَذَا لا يصلح لك، أتريد أن تجمع عَلَى نفسك خصلتين تُعَذَّب بعذاب الله، وتقتل الولدان والنساء!، وَاللهِ، إن فِي قتلك الرجال لما ترضي بِهِ أميرك ..».
6- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: سماع أذني يَوْمَئِذٍ من الْحُسَيْن يقول: قتل الله قومًا قتلوك يَا بني!، مَا أجرأهم عَلَى الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول! عَلَى الدُّنْيَا بعدك العفاء ..».
7- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: وكأني أنظر إِلَى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادى: يا أخياه! ويا بن أخياه!، قَالَ: فسألت عَلَيْهَا، فقيل: هَذِهِ زينب ابنة فاطمة ابنة رسول الله (ص)، فجاءت حَتَّى أكبت عَلَيْهِ ..».
8- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: خرج إلينا غلام كأن وجهه شقة قمر، فِي يده السيف، عَلَيْهِ قميص وإزار ونعلان قَدِ انقطع شسع أحدهما، مَا أنسى أنها اليسرى ..».
9- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: سمعت الْحُسَيْن يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يقول: اللَّهُمَّ أمسك عَنْهُمْ قطر السماء، وامنعهم بركات الأرض، اللَّهُمَّ فإن متعتهم إِلَى حين ففرقهم فرقًا ..».
10- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: كَانَتْ عَلَيْهِ جبة من خز، وَكَانَ معتمًا، وَكَانَ مخضوبًا بالوسمة، قَالَ: وسمعته يقول قبل أن يقتل، وَهُوَ يقاتل عَلَى رجليه قتال الفارس الشجاع يتقى الرمية، ويفترض العورة، ويشد عَلَى الخيل».
11- «عن حميد بن مسلم، قَالَ، انتهيت إِلَى عَلِيّ بن الْحُسَيْن بن علي الأصغر وَهُوَ منبسط عَلَى فراش لَهُ، وَهُوَ مريض، وإذا شمر بن ذي الجوشن فِي رجالة مَعَهُ يقولون: أَلا نقتل هَذَا؟ قَالَ: فقلت: سبحان اللَّه!، أنقتل الصبيان! إنما هَذَا صبي ..».
12- «عن حميد بن مسلم، قَالَ: دعاني عُمَر بن سَعْد فسرحني إِلَى أهله لأبشرهم بفتح الله عَلَيْهِ وبعافيته، فأقبلت حَتَّى أتيت أهله، فأعلمتهم ذَلِكَ، ثُمَّ أقبلت حَتَّى أدخل فأجد ابن زياد قَدْ جلس لِلنَّاسِ .. فإذا رأس الْحُسَيْن موضوع بين يديه، وإذا هُوَ ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة ..».
13- «عن حميد بن مسلم، قال: لما دخل عُبَيْد اللهِ القصر ودخل الناس، نودي: الصَّلاة جامعة! فاجتمع الناس فِي المسجد الأعظم، فصعد الْمِنْبَر ابن زياد فَقَالَ: الحمد للهِ الَّذِي أظهر الحق وأهله، ونصر أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يَزِيد بن مُعَاوِيَة وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب، الْحُسَيْن بن علي وشيعته ..».