العوامي.. أحبَّ وطنه.. وهام ولعاً بالقطيف

عالية ال فريد

بادرة تكريم المتميزين والمبدعين خطوة حضارية وحتمية لكل أمة تسعى لتمييز مثقفيها وتقدير إطروحاتهم وأفكارهم وماقدموه من نتاج فكري وثقافي يستحق الإشادة، وضرورة ملحة للحفاظ على الذاكرة التاريخية المحلية والوطنية، فهي تحيي روح الإبداع والعطاء للأجيال الحالية و الصاعدة نظير ما قدّموه من عطاءات لإثراء ثقافة المجتمع.

                                                              

 والتكريم ليس مجرد تسليم أوسمة أو دروع تذكارية فحسب بقدر ما هو تجسيد معنوي كبير له رمزية ذات ابعاد تأثيرية إيجابية محفزة لشخصية الأفراد المبدعين وذويهم، فهو يصب في مسار العرفان والاعتراف بأعمال وعطاءات وتضحيات من جعلوا من حياتهم ومواهبهم الفذة مشاعل هداية تعمل على تنوير المجتمع وتضيئ الساحة الفكرية والثقافية على مدار الأزمنة. ففيها إستنهاض للهمم وحث الآخرين على المبادرة والعمل والتغيير وإصلاح الواقع، وإيقاظ لحس المسؤولية في قلوب الناس وحضور في الحياة بفاعلية ونشاط مستمر ومتواصل يرسم بصمة مضيئة في البناء والتطور.                       

  وقد ألفت مجتمعاتنا تكريم المبدعين عادة بعد وفاتهم ومغادرتهم الدنيا مما ساهم ذلك في إنتقاص حق الكثير منهم إلا ماندر فتبعثرت جهودهم وضاعت أعمالهم وحال  القضاء بين إستمتاعهم بحقهم و الإحتفاظ بمنجزاتهم، ولاكن مع التطور العلمي وما رافقه من تنامي في الوعي الثقافي والمجتمعي خلال الأعوام الأخيرة بدت تتشكل ظاهرة تكريم المبدعين وأصحاب المبادرات وهم على قيد الحياة بدءا بالمتفوقين والمتميزين والمكتشفين والمخترعين وإنتهاء بأهل العلم والفكر والثقافة والأدب والفن ولكل صاحب مبادرة وعطاء في مختلف المجالات، “فخير الناس أنفعهم للناس ” وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ” كما تشيرالآية

  فمن الجميل ان نتذكر هؤلاء المبدعين ونقتفي أثرهم دوما، و نساهم في التعريف بأعمالهم وإنجازاتهم وبما يحققوه بتدوين سيرهم ومسيراتهم العلمية والفكرية والأدبية والفنية برصدها وحفظها كمصادر تعبر عن أصالة المجتمع و مراجع تشكل الهوية الثقافية الوطنية، فالأفكار العظيمة لن تكون عظيمة إذا إدخرناها، ولن يكون لها أثر وتأثير إذا لم يلمسها الناس ويشعروا بها ويتحدثوا عنها، وكل المواهب والإسهامات والمبادرات لمتنوعة التي أسهمت في رقي المجتمع تستحق الإشادة بها وإبرازها كي لا تكون تحت طائلة الإهمال والنسيان.

   والتاريخ الثقافي والفكري والعلمي والفني لمحافظة القطيف حافل بأسماء عديدة وقامات علمية فكرية وأدبية شامخة ويشهد بأعمال خالدة، في الكتابة والتأليف والبحث العلمي والابتكار والإبداع الأدبي، وفي القصة والرواية والشعر والفن بكافة أشكاله إضافة إلى المبادرات والبرامج والأنشطة المتنوعة.

  وانها لبادرة جديرة بالإحترام تستحق الثناء والشكر للمنتديات الثقافية ودورها في الإحتفاء بتكريم من طبعوا بصماتهم في تاريخ المنطقة، وكون الثقافة روح الحياة فقد تألق منتدى الثلاثاء الثقافي – محافظة القطيف –  بمبادرته الرائعة ووفق استراتيجيته في تكريم الكفاءات الوطنية حيث قام بتسليط الضوء على شخصية هذا الإسبوع للأب الوجيه الإستاذ ” السيد حسن السيد باقر العوامي ” حفظه الله –   هذا الرجل الكبير بأفكاره وتطلعاته الذي حمل هموم مجتمعه ووطنه وأدرك قيمة الثقافة في صياغة المجتمع الإنساني ودورها وأهميتها في إشاعة مفاهيم الحوار والحب والتسامح بين الناس، واحترام الآخر. يحتفى به اليوم كقامة اجتماعية، وطنية، أدبية، فكرية، قانونية، دينية، في محافظة القطيف، فقد كان مميزا في أدائه ودوره وعطاءه وكان من الرواد الأوائل للحركة الثقافية، ساهم في إنعاش الحركة الأدبية، و كان مثقفا واعيا، جريئا وقويا، صاحب رؤية قوي المنطق واسع الإطلاع، وكان خير داعما ومشجعا للطامحين من الشباب وطاقات العمل الإجتماعي، فعادة مايقدم النصح والتوجيه والمشورة لكل من يلتقيه فيستلهم منه الدافعية والحماس والإستمرارية في مواصلة العمل حيث يهون عليه الصعوبات وتجاوز التحديات.          

  أحب وطنه وهام ولعا بالقطيف متطلعا لرقيها ساعيا في خدمتها متفانيا متفائلا بغد أفضل ومستقبلا مشرقا لأبنائها.، ساند المرأة وعاش مشاكلها وترافع عنها وساهم في حل الكثير من قضاياها وكان مسكونا بهواجسه الفكرية حول أهمية دورها ونهضتها والحاجة الملحة لمشاركتها في الشأن العام وفي تنمية بلادها،  وكان شرفا لي إن التقيته مرارا وقد تعددت الإطروحات والنقاشات بيننا فيما يرتبط بالشأن الإجتماعي والعمل النسوي ومايستجد من قضايا على الساحة فعادة مايفرد الى جانب حديثه مساحة خاصة بالمرأة من خلال عمله كمحامي وما يواجهه من قضايا في أروقة المحاكم فيتحدث عن معاناتها بأسى وألم لاسيما في الأحوال الشخصية و العنف والتمييز والمشاكل الأسرية حيث زودني حينها بكتابه ” المرأة في التشريع الإسلامي ” و بنسخ عديدة من مرافعاته القانونية، وكان كثيرا ما يؤكد على أهمية وجود سيدات يتفرغن للعمل الاجتماعي ويتصدرن الساحة الثقافية ومحاميات يمارسن دورهن في الدفاع عن حقوق المرأة والتحديات التي تواجهها.

 

 كان يؤكد على أهمية الحوار والإنسجام ودوره في العيش المشترك كأداة للتآلف والتعاون وتوضيح الرؤى بين أفراد المجتمع مؤكدا على أهمية الشراكة الوطنية وبناء علاقات طيبة وقوية تؤسس للتلاحم الوطني ، كذلك أهمية ا لتواصل بين المواطن والمسؤول لخدمة المجتمع وتبادل الرؤى والأفكار في معالجة القضايا الشائكة، اتذكر فرحته الكبيرة وسعادته عندما شاركنا في اللقاء الرابع للحوار الفكري الذي نظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار والوطني حول ” قضايا الشباب الواقع والتطلعات” عام ٢٠٠٤ كان حريصا ومتابعا خاصة باللقاء الخاص مع خادم الحرمين الشريفين وقتها الملك عبدالله بن عبد العزيز ال سعود – رحمه الله – والحديث معه حول أبرز قضايا المنطقة،فكان السيد حسن مهتما كثيرا بهذا اللقاء مصرا على استضافتي للإجتماع بأهالي القطيف وسيدات المجتمع في مجلسه ” حسينية العوامي ” لنقل الصورة المباشرة حول أهمية الحوار الوطني ومادار فيه من أفكار وتوصيات، وحول مجريا ت اللقاء الذي تم مباشرة مع الملك عبدالله ولقاء كافة الأطياف من مختلف مناطق المملكة ومدى إنعكاس ذلك بصورة إيجابية كبيرة على الناس. قد لايفي حديثي عن السيد ببعض كلمات لاكن هذا ما تسابقت اليه ملامح الذكريات الجميلة التي جمعتني به وبعائلته الكريمة، فيبقى نموذجا مشرفا ومتميزا يحتذى به في الحياة.

  لاشك أن المبادرة قيمة لمنتدى الثلاثاء الثقافي  خاصة لما تضمنته من عرض الفلم الوثائقي حول حياة السيد أبازكي، لكنها تبقى وبالرغم من قيمتها الكبيرة فهي بحاجة إلى إبراز المبدعين والمتميزين  مستقبلا بعرض أوسع وأشمل وأكبر على مستوى الوطن. بتوثيق أفلام سينمائية ومسرحية تعرف برجالاتنا وعظمائنا وتعبر عن مسيراتهم وحياتهم وأرائهم وأفكارهم، و أعمالهم ومنجزاتهم التي تحمل أسمائهم وتخلد ذكراهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×