لهجة القطيف العامية من الشعر الفصيح: حرف الحاء [2]

عودة إلى الحاء

عرضت في حلقةٍ سابقةٍ بعضَ معاني كلمة (حب)، وفاتني منها:

الحب:

بمعنى الحِنطة، وبرهان فصاحتها قوله تعالى: “وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)” الرحمن

(والحبُّ ذو العصف والريحان)، فقد جاء في التفسير أنه الحنطة، والشعير وما شابههما (انظر تفسير ابن كثير).وقد جاء فيها من الشعر قول عبد الرحيم البرعي اليماني:

بقدرة من شدَّ الهوى وَبنى السما      

طَرائقَ فوق الأَرض فهي لها سقف

وَسخَّر من نشر السحاب لواقحًا      

اذا انتَشَرَت درَّتْ سحائبها الوُطف

وأنشأ من ألفافها كلَّ حبة     

بها الابُّ وَالريحان وَالحَبُّ وَالعَصف([1])

كذلك فاتني ذكر الحبة، مؤنثة، ولها في اللهجة القطيفية معان منها:

أ – حبة

 بمعنى: البثرة، أو الدُّملة الصغيرة، ومما جاء في معنى الحبة بمعنى البثرة قول أبي بكر التونسي:

فَتِلكَ لعمري حَبَّةٌ إثرَ حبة      

تصيبُ المَعالي مقذَفاتٌ بصائد

وَفكر جَميل في المَساوي قَد اِغتَدى  

ضحيتها كالخالب المتلبد([2])

وقول أحمد شوقي:

صَريعُ جَفنَيكِ ينفي عَنهُما التُهَما      

فَما رَميتَ وَلَكِنَّ القَضاءَ رَمى

اللَهَ في روحِ صَبٍّ يَغشَيانِ بِها      

مَوارِدَ الحَتفِ لَم يَنقُل لَها قَدَما

وَكَفَّ عَن قَلبِهِ المَعمودِ نَبلَهُما      

أَلَيسَ عَهدُكَ فيهِ حَبَّةً وَدَما ([3])

ب – حبَّة

بمعنى المقدار القليل، وأحسبها كنايةً أو حذف اكتفاء، وحذف الاكتفاء عند أهل البيان: حذْفُ حرفٍ أو أكثر أو كلمة أو أكثر إذا تضمنت الجملة ما يدل عليه،

كما في بيت شوقي المتقدم:

اللَهَ في روحِ صَبٍّ يَغشَيانِ بِها      

مَوارِدَ الحَتفِ لَم يَنقُل لَها قَدَما

فمراده: اتق الله، فحذف: اتق لقيام الدليل.

فالحبة صغيرة، لذلك كنَّوا بها عن القلة، أو الصغر، ومما جاء من الشعر في هذا المعنى قول حفظ إبراهيم:

هاتِ المُسَدَّسَ إِنّي      

سَئِمتُ مِشّي وَجُبني

مَن لي بِدِرهَمِ لَحمٍ    

عَلَيهِ حَبَّةُ سَمنِ

قرمت والله! حتى     

صاحت عصافير بطني([4])

وقول ابن أفلح العبسي:

إنّ أنوشَرْوان ما فيهِ

سوى قيامٍ لمُرجّيهِ

الجودُ كلّ الجودِ في رجله      

وإن تعدّى فإلى فيهِ

روّجْ لراجيك ولو حبّةً

واقعُدْ على العرشِ من التّيهِ([5])

وقول إبراهيم الحضرمي:

ولست أخيف الآمنين إِذنْ

ولا أسائلهم عن مالهم قدر حَبَّةِ

سوى حق ذي الآلآء في مال خلقه   

سأجريه مجراه بأحسن قسمة([6])

وقول ابن نباتة المصري:

سائلي عن شرح حالي بعد من       

خلَّفوني مفرداً بين الورى

لا أرى العيش يساوي حبةً      

بعد ما جاءت قلوبٌ في الثرى([7])

وقول أبي مسلم البهلاني العماني:

سيدي سائل باسمائك الحس

نى على بابك العظيم الأجل

سيدي لو عصاك ما حاطه العر      

ش تأنَّيتَهم بحلم وفضل

سيدي لو عصاك ما حاطه العر      

شُ لما أنقصوك حبة بقل([8])

وإذا أرادوا التعبير عن الشيء الزهيد قالوا: (حبُّونة)، ولم أجدها في الشعر.

ج – حبَّة

بمعنى الخرزة، ومما جاء فيها من الشعر قول أحمد محرم:

أَخَذتُم سَبيلَ اللَهِ تَستَبِقونَهُ      

إِلى غايَةٍ فيها المَثوبَةُ وَالحَمدُ

هُوَ البَرُّ حَتّى يَفتَدي المَرءُ قَومَهُ      

وَحَتّى يُداوي جُرحَ أُمَّتِهِ الفَردُ

وَما العِقدُ إِلّا حَبَّةٌ عِندَ حَبَّةٍ      

فَإِن لَم يَكُن سِلكٌ يَضُمُّ فَلا عِقدُ([9])

د – الحِبَّة:

صنف من اللوز البلدي، ثمارُه صغيرة، وهذا المعنى لم أعثر له على ذكر في الشعر، لكنها مناسبة لتصحيح معلومة عنه يجري تداولها في (بالواتس اب)، عن صورة قيل إنها اللوز الهندي، والصحيح أنها لصنف من الثمار يسمَّى محلِّيًّا: (الكعك)، وهي شجرة من الصبَّاريَّات ثمرتها حلزونية الشكل تحمرُّ إذا نضجت، ولها لبٌّ أبيض مشرَّب بحمرة، لذيذة المذاق، وتختلف تسمياتها من بلدة لأخرى، ففي صفوى، وأم الساهك، وتاروت، وسنابس تسمى: (كَعْكَعْ)، وفي سيهات تسمى: صْبَارْ، وفي الملاحة والجش تسمى: عَچَنْچَكْ، وفي أم الحمام تسمى: كَازُوْ([10])، وفي بقية البلدات تسمى: كَعَكْ.

(الصورة: حازم المعلم)

أما اللوز الهندي فهو اللوز البلدي Terminalia cattapa، شجر استوائي جذعه مستقيم، وفروعه طبقية، تتَّخذ شكل المظلة، وأوراقه جلدية بيضوضة، عميقة الخضرة، وهو يزرع في القطيف والأحساء والبحرين، وهنا لا يتسع المجال للتفصيل فيه أكثر، وقد شرحته بتفصيل في ديوان الشيخ جعفر  الخطي، جـ2/7.

ج: حبَّة

بمعنى القُبلة، جاء فيها شعرًا قول الخباز البلدي:

يسارقني في كلِّ دورين حبة      

ألا أن قيراط النبيذ كثيرُ([11])

وقول حسن حسني الطويراني:

بحق ورد الخد يا جنةً      

بواو صدغيك بدت وجنةً

لو آدم يحيى بها لافتتن       

وبعد ما تاب اجتنى حبَّةً

من خالك المسكي يا لاشتهار([12])

([1])ديوانه، اعتنى به الشيخ د. عاصم إبراهيم الكيالي الحسيني الشاذلي الدرتاوي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ص: 116.

([2])في البيت سناد تأسيس، وهو من عيوب القافية، ديوانه، موقع بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/tghPEx   .

([3])في البيت لحن، لجأ إليه تلافيًا للإقواء، وإلا فإن حبة والمعطوف عليها حقهما الرفع. انظر الشوقيات، مرجع سابق، الجزء الأول، باب النسيب، ص: 137.

([4])ديوانه مرجع سابق، جـ1/143 .

([5])ديوانه، موقع بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/DT7whS   .

([6])ديوانه الموسوم بالسيف النقاد، تحقيق بدر بن هلال بن حمود اليحمدي، الناشر تسجيلات مشارق الأنوار، عمان، 1423هـ 2002م، ص: 110.

([7])ديوانه، مرجع سابق، ص: 250.

([8])القصيدة ليست في ديوانه المطبوع، بعناية الشيخ يوسف توما البستاني، والمثبت من ديوانه في موقع بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/6VMueN  .

([9])ديوانه، بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/92wHpm   .

([10])اللهجات المحلية في الخليج (اللهجة في القطيف مثالاً)، السيد شبَّر علوي القصاب، مجلة الواحة، بيروت، العدد 31، الربع الرابع، 2003 .

([11])ديوانه، موقع بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/Adc1J4  .

([12])ديوانه، موقع بوابة الشعراء، الرابط: https://goo.gl/Gz73vw   .

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×