[مقال] الشيخ علي الفرج: شَدِّدْ عَلَيَّ وَخَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي»

الشيخ علي الفرج

يتردَّد على ألسنة كثير من الخطباء ما يُروى عن النبي (ص) أنه قال لملك الموت عندما جاء لقبض روحه: «شَدِّدْ عَلَيَّ وَخَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي».

ويكثر تداول هذه الرواية في مناسبة ذكرى وفاته (ص). وما تحمله هذه الرواية من دلالة يبعث على مجموعة من التساؤلات، من بينها: لماذا لم يكن طلب النبي (ص) أن «يخفف الله عليه ويخفف كذلك على أمته»؟، وبخاصّة مع ما يذكره القرآن الكريم من غنى الله سبحانه وتعالى عن تعذيب أو تشديد الحياة على أي إنسان.

كما أنّ مضمون هذه الرواية يتعارض مع المبدأ القرآني المتمثّل في قوله تعالى: ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [سورة الأنعام، الآية: 164]، وقوله تعالى: ﴿مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [سورة الإسراء، الآية: 15].

ذلك أن مبدأ الحساب والجزاء الإلهيين إنما يتركّز على أداء الإنسان للتكاليف الإلهية ومستوى التزامه بها دون محاباة لطرف أو جهة أو جماعة على حساب القيم والموازين التي أرستها الرسالات الإلهية المتعاقبة.

نعم، من الأمور الثابتة في اعتقاداتنا هو شفاعة النبي (ص) يوم القيامة الواردة في الآية: ﴿وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً (79)﴾،

كذلك الرواية الواردة في أمالي الشيخ الصدوق (ره)، ص 370، إذ ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: «إذا قمتُ المقام المحمودَ، تشفّعْتُ في أصحاب الكبائر من أمتي، فيُشَفِّعُني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي».

ولكن ما ورد حول شفاعة النبي (ص) أو أهل بيته (ع) يُفهم منه وجود دواعٍ معيّنة تدعو إلى التشفّع لبعض المتديّنين، وهو ما يتعارض والمعنى الذي تذكره الرواية مفتتح المقال، إذ يكون مقتضى هذه الرواية التخفيف على الأمة جميعًا المستحقّ وغير المستحقّ، فهذا الأخير لا يكون أهلًا للشفاعة.

ومن التساؤلات المهمّة حول هذه الرواية هو مصدرها الروائي أو التاريخي، إذ لا ينبغي نسبة رواية إلى رسول الله (ص) دون التحقّق من صحّتها ودقّة نسبتها إلى رسول الله (ص)، ونخاف أن نقع فيما روي عند الفريقين رواية متواترة (مَن كَذَب عليّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأْ مَقْعَدَهُ من النار).

وعند البحث عن مصدر الحديث في مصادرنا الروائية، لا نجد له أثرًا، وإنما تتناقله ألسنة الخطباء بصورة شفاهية دون الرجوع إلى مصادر موثوقة، ولعلّ ما شجّع على سرعة انتشارها ما تحمله من صور الإيثار والمحبّة التي يحملها النبي (ص) تجاه أمته، واستذكار هذه الرواية يبعث في نفوس الجماهير البكاء على فراقه (ص).

ولأن مسؤولية نقل أحاديث منسوبة إلى أحد المعصومين أمر خطير، من المهمّ الحذر في نقل مثل هذه الروايات التي من شأن تداولها بين عامّة الناس أن يحدث مفاهيم وأفكار مغلوطة عن الدين وعدم إبراز قيم دينية عظمى تركّز عليها آيات الذكر الحكيم.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×