الإرهاب الثقافي والاستلاب الثقافي
محمد منصور
الإرهاب الثقافي:
تبنِّي ثقافة معينة، ومحاولة تعميمها بالقوة.
تأتي هذه الثقافة في العادة مصحوبة بحس متعالٍ يبجِّل فكرتها ويؤمن بصوابها المطلق، وفي ذات الوقت تقصي الثقافات الأخرى وتؤمن بخطئها المطلق.
يضعها أصحابها في خانة المقدس، وفي ذات الوقت يضعون ما سواها في خانة المدنس.
وهي ثقافة لا تحاور لتصل إلى نتائج وتصدر أحكاما، فأحكامها تسبق الحوار أو النظرية إنْ حاورت أو بنت نظرية معرفية. فهي تحتكر الحقيقة لها وتجيِّر العلم لصالحها ولا تمتلك منه نصيبا. تدَّعي أن أحكامها خضعت لأعلى المعايير العقلية والمنطقية وأتت وفق ما وصلت له جميع نتائج البحث العلمي وهي من كل ذلك خواء. يملؤها الجهل وتتخمها الأهواء المتهافتة.
يتصف أصحابها بـ:
الجهل؛ فهم يحتكرون العلم والعقل فيما يرونه وما لديهم فقط.
الغباء؛ فهم لا يُخضعون آراءهم ولا ثقافة الآخر للبحث.
الكسل؛ فهم لا يتعلمون، فقط يجادلون ويغالطون لإكراه الآخرين.
العناد؛ فهم معصومون من الخطأ والزلل، وغيرهم لا يمكن أن يصيب ولا حتى يُحتمل صوابه.
الاستبداد؛ فلا يحق للآخرين إلا تبني أفكارهم.
تكمن خطورة الإرهاب الثقافي في أنه لا يؤمن إلا بثقافته وهو حر في هذا، لكنه لا يكتفي بذلك فهو لا يتيح للآخر أن تكون له ثقافة بديلة فإما أن يَتَّبِع أو يُحارَب حتى يخضَع أو تزول ثقافته أو يزول ذلك الآخر.
الإرهاب الثقافي ناتج من الجهل بالثقافة، فالعقل المستنير يستضيء بالعلم، ويسعى للمعرفة، ويأخذ الحكمة أنَّى وجدها. ومن التعصب، فهو يحتكر الآراء فيما يراه فقط. ومن الاستبداد، فهو يعمل ليلا ونهارا لقمع حرية الرأي الآخر.
كل ذلك يخلق بيئة متوجسة من الآخر، مخيفة للآخر. لا يمكن أن تتصالح مع الآخر، ولا تتصالح مع ذاتها.
وأسهل طريقة لمجابهة الإرهاب الثقافي، تجاهله. والاكتفاء بكشف النقاب عن عيوبه، وبيان خطورته.
الاستلاب الثقافي:
تبني ثقافة معينة لمجرد شيوعها.
فمجرد شيوع ثقافة معينة يخوِّلها للرسوخ في العقول، وينحتها في النفوس. لكن مجرد شيوع ثقافة أخرى مغايرة كفيل بخلع الثوب القديم وارتداء الثوب الجديد. وهو في كلا الحالتين لم يخضع الثقافة التي تبناها للنقد والمحاكمة ولا حتى لمجرد التساؤل في أنها قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة.
يمتاز المستلَب ثقافيا بروح جدلية عالية، وبناء عوالم من المغالطات المنطقية؛ ليعزز ويرسخ في ذاته لثقافة لم يصنعها ولم يشارك فيها ولم يختبرها ولم يتساءل عن جدواها. وبمجرد شيوع ثقافة أخرى ينتقل بكامله إليها وكذلك يصنع مع تعاقب الثقافات المتتالية يخلع واحدة ويرتدي ثانية. ويدافع باستماتة عن ثقافة اليوم الشائعة ثم يهاجمها بكل أسلحته عند تبني الثقافة الجديدة الشائعة.
لا يمتلك المستلَب ثقافيا إلا معيارا واحدا يؤسس عليه ثقافته ويبني عليه كل معارفه ومعتقداته، وهو الشيوع.
من أسباب الاستلاب الثقافي الخواء المعرفي، والانبهار بالثقافات الاستهلاكية الرائجة، وعدم وجود معايير يُحاكِم بها ما لدى الآخر.
وخطورة الاستلاب الثقافي تكمن في أن حالة الاستلاب تجعل من صاحبها دمية تتحرك كيفما أراد لها المستلِب.
ومحاولة إخراج المستلَب تقافيا من بين رمال الاستلاب صعبة جدا، فالأجدى هو العمل على تعزيز ثقافة متجاورة قوية في تأصيلها ومعارفها وعقلانيتها، تفكر بحرية، تثق بمنتجها، تبحث عن الأصلح، ترغب في التطوير. يتم كل ذلك التعزيز قبل أن تتحرك رمال الاستلاب الثقافي وتلتهم ما تلتهمه.
اقرأ للكاتب أيضاً