[مقال] أثير السادة: وعاظ الصورة.. وصايا وأسئلة

أثير السادة*

 

وأنت تقترب بعدستك من الموضوع محل التصوير، تظل تقلب في المشهد الذي أمامك، تموضعه ضمن إطار في عينيك، تعاود ترتيب مفرداته في مخيلتك قبل أن تقرر الزاوية التي سترسم بها الأبعاد النهائية للصورة.

هذا اللون من القرارات “الجمالية” يمر بسلسلة من الحسابات الفنية والثقافية وحتى الاجتماعية، فهنالك محفزات ثقافية تؤطر الرؤية الجمالية لكل فرد، ورصيد من خبرات جمالية واجتماعية، تمارس دورها في عملية الفرز والاختيار، أي أنها ليست مهمة فنية خالصة، فالتكوين الذي يمثل روح الصورة الفوتوغرافية ورافعتها الجمالية، ليس ببعيد عن هذا اللون من التأثيرات، مازلت أستحضر نصيحة أحد وعاظ الصورة وهو يقترح علي في درسه أن أبدل موضع الشمس في واحدة من الصور من يسارها إلى اليمين، كنا للتو نتهجى دروس الصورة والتكوين والإضاءة قبل 12 سنة..حملت هذه النصيحة معي كسؤال دون جواب حتى وجدت هذا السؤال الآخر: هل يمكن أن تكون طريقة الكتابة من اليمين إلى اليسار ذات تأثير على طريقة بناء وفهم الصورة ؟

في تكوين الصورة، هنالك تصور لدى الثقافة الغربية بأن الصورة تقرأ من اليسار إلى اليمين كما هي اللغة، وأن المنطقة الأثقل في الصورة هي الجانب الأسفل من يمين الصورة، لذلك يجري موضعة الأجسام البصرية داخل الإطار في أدنى اليسار، وهنا يصف الباحث التاريخي Mercedes Gaffron بأن المشاهد يعيش الصورة وكأنه ينظر إليها من اليسار ويفترض لأجل ذلك بأن في هذا الجانب تقبع الأشباء الأكثر أهمية داخل الصورة.

ذات المشهد يتكرر بحسب اعتقاد المؤرخ الفني Alexender Dean وهو يرصد نظرات المتلقين للحظة رفع الستار في العروض المسرحية حيث تتجه الأنظار إلى الناحية اليسرى من المنصة، وكنت أحاول تطبيق هذه الفكرة على أحد الأصدقاء قبل أيام في المسرح، وأنا أحضره للتركيز على مشاعره ونظراته في أول دقيقة من العرض لسؤاله لاحقا عن موضع نظراته، لولا أن العرض كان بلا ستار وبلا إشارة بدء أصلاً!.

هذه القناعات، والتي تتحول إلى قواعد فنية، لا يمكن القطع بها وتعميمها، بيد أنها تسوغ لنا مساءلة التكوينات الجمالية التي يعاد استدماجها ضمن التجارب المحلية، في صورة محاكاة لتجارب غربية، المحاكاة التي ذهبت بعيدا في تمثل النموذج الغربي أو لنقل النموذج المهمين على المجال الفني، من اختيار الموضوعات إلى أشكال مقاربتها ومعالجتها، وحتى أشكال استهلاكها وتدويرها.

ليست هذه دعوة لاعتبار القواعد القائمة شأنا مرذولا، بل هي رغبة في عدم الانصياع لها دون مساءلتها، وعدم الركون إليها كحدود معوقة للمغامرات الجمالية على مستوى التكوين والتفكير فيه…وهي دعوة من مصور كسول، يخاف من عصا أهل الصنعة كلما أطلق العنان لعدسته في تركيب الصورة كيف تشاء.

وبس.

زر الذهاب إلى الأعلى

صحيفة صُبرة : https://www.sobranews.com

×